كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

ولا نستطيع أن نسلم بما تقوله دائرة المعارف الإسلامية، إلا إذا سلمنا بأن لقمان عاد هو نفس لقمان المذكور في القرآن، وليس بين أيدينا ما يثبت ذلك، بل على العكس نرى علماء العرب يفرقون بينهما دائما، وقد روت كتب الأمثال عن الأول بعض أمثاله1، بينما روى الإمام مالك في كتابه "الموطأ" بعض أمثال لقمان الحكيم.
وممن عرف بكثرة الحكم، والأمثال في الجاهلية أكثم بن صيفي التميمي2، ومما ينسب إليه من الحكم: تباعدوا في الديار تقاربوا في المودة -ليس من العدل سرعة العذل- لو أنصف المظلوم لم يبق فينا ملوم، ومن أشهر حكمائهم عامر بن الظرب3، وكان حكما للعرب تحتكم إليه4، وافتخر به ذو الإصبع العدواني في بعض شعره5، ولا يكاد يوجد في العصر الجاهلي سيد مشهور، أو خطيب معروف إلا وتضاف إليه جملة من الحكم والأمثال.
__________
1 انظر مجمع الأمثال للميدني 1/ 23، 56.
2 راجع مجمع الأمثال 2/ 145، وجمهرة الأمثال للعسكري على هامشه 1/ 120، وشرح ابن أبي الحديد على نهج البلاغة "طبع مطبعة دار الكتب العربية الكبرى" 4/ 155.
3 انظر مجمع الأمثال 1/ 211، 2/ 183.
4 البيان والتبيين 3/ 38.
5 أغاني "طبع دار الكتب" 3/ 90.
3- الصنعة في الأمثال الجاهلية:
من ينعم النظر في الأمثال الجاهلية يجد طائفة منها توفر لها ضروب من القيم التصويرية والموسيقية، ففيها أحيانا تشبيه واستعارة وكناية وتمثيل، وفيها أحيانا أخرى صقل وسجع وتنميق، ونحن نصطلح على تسمية هذه القيم الفنية التي تقابلنا في نصوص الأدب الجاهلي نثره، وشعره باسم الصنعة، وقد تسربت إلى الأمثال بعض هذه القيم التي كانت تشيع في نثر الجاهليين وشعرهم، وليس معنى ذلك أنهم حققوا لأمثالهم جميعا ضروبا مختلفة من هذه القيم، فذلك إنما يظهر في القلة القليلة، أما الكثرة فمغسولة من كل فن وبيان، ومرجع ذلك

الصفحة 24