كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

عن النواب في نياياتهم متصاغرة متضائلة بالنسبة إلى ما يصدر من أبواب الخلافة من الولايات، فلذلك لم يقع مما كتب منها ما تتوافر الدواعي على نقله، وتنصرف الهمم لتدوينه، مع تطاول الأيام وتوالي الليالي ... ولما أخذ أحمد بن طولون في تدبير الملك، وإقامة السلطنة بالديار المصرية، وشمخ بها سلطانه، وارتفع بها شأنه، أخذ في ترتيب ديوان الإنشاء "ديون الرسائل" لما يحتاج إليه في المكاتبات والولايات، فاستكتب ابن عبد كان، فأقام منار ديوان الإنشاء ورفع مقداره"1، ولم يكتف ابن طولون بابن عبد كان، فقد جاء بجماعة من كتاب العراق تعاونه مثل أبي عبد الله الواسطي2، ويعقوب بن إسحاق3، وأحمد بن أيمن، وكان يكتب في حداثته للعباس بن خالد البرمكي4، وضم إلى هؤلاء الكتاب آخرين من كتاب مصر، وعلى رأسهم الحسن بن محمد بن أبي المهاجر، وإخوته علي وأبو القاسم وأبو عيسى، وكلهم من عقب عبد الحميد الكاتب5. وبذلك كله نهض ابن طولون بديوان الرسائل في مصر نهضة عظيمة، وهي نهضة جعلت بعض كتاب العراق، يهاجر إلى مصر طلبًا للتوظف في هذا الديوان، على نحو ما يحدثنا ياقوت عن إسحاق بن نصير6 الكاتب البغدادي، فقد قدم على ابن عبد كان رئيس الديوان، والتمس منه التصرف ولم يزل معه إلا أن توفي، فاستخلفه مكانه خمارويه، وأجرى عليه أربعمائة دينار في الشهر، ثم رفعها إلى ألف دينار7، ويذهب عصر الطولونيين، وتدخل مصر مرة أخرى في عصرة الولاة، فيضعف بها ديوان الإنشاء، ويستمر على ضعفه في عصر الإخشيديين، إذ لا نجد لمصر -على عهدهم- كاتبا مشهورًا يمكن أن نقرنه إلى ابن عبد، كان الذي كان يباهي به ابن طولون كُتَّاب بغداد
__________
1 صبح الأعشى "طبع دار الكتب" 11/ 28.
2 المكافأة لأحمد بن يوسف طبعة "وزارة التربية والتعليم" ص20.
3 المكافأة ص56.
4 نفس المصدر ص91، 167.
5 الوزراء والكتاب ص82.
6 هكذا في ياقوت، وفي صبح الأعشى، وحسن المحاضرة والنجوم الزاهرة: نصر.
7 انظر معجم الأدباء 6/ 85.

الصفحة 347