كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

جانب تظهر بعض شياته في تلك القطعة، وهو جانب التصوير، والحق أن ابن عبد كان من أهم الكتاب الذين ظهروا في القرن الثالث لا في مصر وحدها، بل أيضًا في بغداد نفسها، وهو حقًا ليس مصريًا وإنها هو بغدادي، ولكن مصر هي التي ظفرت به، وقد استطاع أن يحقق لها كثيرًا من أحلامها في منافستها لبغداد على عهد ابن طولون، وليس كل ما يذكر لابن عبد كان في هذا الباب هو صورة كتابته، وما بها من فن وجمال، بل إن هناك وجهًا آخر لعمله، وهو أنه وضع الكتاب في مصر رسوم الكتب، وبماذا تنتهي وكيف تعنون1. على أنه ينبغي أن نلاحظ أن ظهوره بمصر كان طفرة، وربما كان اعتباره تتميما لحلقة بغدادية أدق من اعتباره ابتداء لحلقة مصرية، فإن مصر تراجعت بعده، فلم تستطع أن تخرج كاتبًا ممتازًا في عصر الولاة بعد الطولونيين ولا في عصر الإخشيديين، وكأنها أبقت الكاتب الممتاز لعصر الفاطميين.
__________
1 انظر صبح الأعشى 8/ 160، وما بعدها.
4- الفاطميون، ونهضة النثر المصري:
ما نكاد نشرف على النصف الثاني من القرن الرابع، حتى تبدأ مصر صفحة جديدة، وهي صفحة زاهية من جميع جوانبها السياسة، والاجتماعية والفنية، فقد دخلها الفاطميون فاتحين عام 354هـ، وأسسوا فيها إمبراطورية عظيمة دانت لها شعوب أفريقيا الشمالية، وبلاد الشام والعرب وخطب باسمهم في العراق وبغداد نفسها1، وحتى بلوخستان كانت تخضع لهم، فابن حوقل يقول: إن أهلها كانوا يرسلون للخليفة الفاطمي بأموال، وذخائر كثيرة2، ويقول ناصر خسرو الذي زار مصر عام 439 للهجرة: إنه رأى بالقاهرة طائفة من أبناء الملوك والأمراء
__________
1 انظر النجوم الزاهرة 5/ 4، وما بعدها.
2 المسالك والممالك لابن حوقل "طبعة ليدن" ص222.

الصفحة 351