كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

الحق ثقيل مريء1، وإن الباطل خفيف وبيء2، وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة، ورب نظرة زرعت شهوة وشهوة، أورثت حزنا طويلًا".
وله وصايا كثيرة يوصي فيها قواد الجيوش الفاتحة بجنودهم، وبمن يغزونهم من الأمم، ومن أروع وصاياه وصية للخليفة من بعده، ونسوق منها بعض نصائحه له، يقول3:
"أوصيك بتقوى الله لا شريك له، وأوصيك بالمهاجرين الأولين خيرًا: أن تعرف سابقتهم، وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئتهم، وأوصيك بأهل الأمصار خيرا، فإنهم ردء4 العدو، وجباة الأموال والفيء5 لا تحمل فيئهم إلا عن فضل منهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا. فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام: أن تأخذ من حواشي6 أموال أغنيائهم فترد على فقرائهم، وأوصيك بأهل الذمة7 خيرًا: أن تقاتل من ورائهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه، ومخافة مقته أن يطلع منك على ريبة. وأوصيك أن تخشى الله في الناس، ولا تخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية والتفرغ لحوائجهم، وثغورهم8 ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم.. وآمرك أن تشتد في أمور الله وفي حدوده، ومعاصيه على قريب الناس وبعيدهم.. واجعل الناس سواء عندك لا تبالي على من وجب الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك".
__________
1 يقصد عمر أنه حميد العاقبة.
2 يقصد أنه وخيم العواقب.
3 البيان والتبيين 2/ 46، وانظر في وصاياه للجيوش عيون الأخبار 1/ 107.
4 ردء: معين أن يعينون على العدو.
5 الفيء: الغنيمة في الحرب، والخراج.
6 حواشي الأموال في البادية: صغار الإبل والغنم.
7 أهل الذمة: أهل الكتاب في البلاد المفتوحة.
8 الثغور: جمع ثغر، وهو هنا الخلة والحاجة.

الصفحة 60