كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

سعيد1، والهيثم بن الأسود بن العريان، وقد سأله عبد الملك كيف تجدك؟ قال: "أجدني قد ابيض مني ما كنت أحب أن يسود، واسود مني ما كنت أحب أن يبيض، واشتد مني ما كنت أحب أن يلين، ولان مني ما كنت أحب أن يشتد"2، ولما توفي عبد الملك وجلس ابنه الوليد دخل عليه الناس، وهم لا يدرون أيهنئونه أم يعزونه، فأقبل غيلان بن سلمة الثقفي فسلم عليه، ثم قال3:
"يا أمير المؤمنين! أصبحت قد رزئت خير الآباء، وسميت خير الأسماء، وأعطيت أفضل الأشياء، فعظم الله لكعلى الرزية الصبر، وأعطاك في ذلك نوافل الأجر، وأعطانك على حسن الولاية والشكر، ثم قضى لعبد الملك بخير القضية، وأنزله بأفضل المنازل المرضية، وأعانك من بعده على الرعية".
ولم يكن يتولى الخلافة أموي إلا وتقدم الوفود عليه من الأمصار، ويقوم خطباؤها بين يديه مهنئين مبايعين ذاهبين في خطبهم كل مذهب، ومن حين إلى حين كانت تقدم هذه الوفود على الخليفة لترفع مظلمة لها، أو لتنال بعض
الرفد والعطاء، ونجد الوعاظ كثيرًا ما يلمون بمجالس الخلفاء ويعظونهم، على نحو ما كان يعظ أبو حازم الأعرج سليمان بن عبد الملك4، ولما تولى عمر بن عبد العزيز كان يقدم عليه النساك، والزهاد لوعظه، لما اشتهر عنه من نسكه وعبادته، من مثل زياد بن أبي زياد، وكان يلزمه محمد بن كعب القرظي، وله أخبار معه ومواعظ5، وكان خالد بن صفوان يلزم هشام بن عبد الملك ويعظه6.
وعلى نحو ما كانت تفد الوفود والوعاظ على الخلفاء كانت تفد على الولاة، وممن وفد على زياد وخطب بين يده في وفد من قومه عمران بن حطان7،
__________
1 البيان والتبيين 1/ 316.
2 نفس المصدر 1/ 399، 2/ 69.
3 البيان والتبيين 2/ 191-192.
4 البيان والتبيين 3/ 135.
5 نفس المصدر 2/ 34، 3/ 143، 3/ 170. وانظر عيون الأخبار لابن قتيبة 2/ 343، 2/ 370.
6 عيون الأخبار 1/ 341.
7 البيان والتبيين 1/ 118.

الصفحة 72