كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

وإنما ننقل من دار إلى دار"1، وكان الحسن البصري يقول فيه "يعظ عظة الأزارقة، ويبطش بطش الجبارين2"، ويروى أنه قال: "لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج، سمعته يقول على هذه الأعواد: إن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لخليق أن تطول عليها حسرته"3.
ومر بنا أنه كان للخوارج خطباء كثيرون مفوهون، وكانوا يعنون عناية شديدة بإعداد كلامهم، حتى يجذبوا القلوب إليهم، ولعل ذلك ما جعل عبيد الله بن زياد يقول فيهم: "إن كلامهم أسرع إلى القلوب من النار إلى الهشيم"، وروى المبرد أن عبد الملك بن مروان أتى رجل منهم، فجعل يبسط له من قولهم، ويزين له من من مذهبهم بلسان طلق وألفاظ مبينة ومعان واضحة، فقال عبد الملك: "لقد كاد يدفع في خاطري أن الجنة خلقت لهم، وأني أولى بالجهاد منهم، ثم رجعت إلى ما ثبت الله علي من الحجة وقرر في قلبي من الحق"4، وفي إحسانهم لخطابتهم يقول عبيدة بن هلال5:
أدباء إما جئتهم خطباء ... ضمناء كل كتيبة جرار6
وكانوا يمزجون خطابتهم السياسية بالدعوة إلى الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وما عند الله من الثواب، وقد يثنون على أبي بكر وعمر، ثم يقدحون في عثمان ومن جاءوا بعده، ويحثون على الجهاد، معلنين أنهم على الحق، أما جماعة المسلمين فاتبعت أهواءها وجارت عن الطريق القاصد. ومن خير ما يصور ذلك خطبة أبي حمزة الخارجي في مكة7، وفيها يصف شباب الخوارج هذا الوصف الرائع:
__________
1 البيان والتبيين 2/ 167، وعيون الأخبار 2/ 251.
2 البيان والتبيين 3/ 164.
3 البيان والتبيين 2/ 193، وقذتني: أفزعتني.
4 الكامل للمبرد ص573.
5 نفس المصدر ص701، وانظر البيان والتبيين 1/ 406، والحيوان للجاحظ 6/ 423.
6 ضمناء: كفلاء.
7 البيان والتبيين 2/ 122، وعيون الأخبار 2/ 249، والعقد الفريد 4/ 144، والأغاني 20/ 104.

الصفحة 85