كتاب الفن ومذاهبه في النثر العربي

وكثرتها، ومع الجزالة والفخامة1، ومن خطباء الشيعة، وكبار دعاتهم في هذا العصر المختار الثقفي، وكان خارجيا، ثم صار زبيريا، ثم صار رافضيا2، وقد ثار في العراق ثورة عنيفة، غير أن مصعب بن الزبير قضى عليه في سنة 67 للهجرة، وكان يذهب في سيرته وخطابته مذهبا قريبا من مذهب الكهنة في الجاهلية، فكان يزعم لأصحابه أنه يوحي إليه، وكان يتخذ السجع دلالة على هذا الوحي، وفي ذلك يقول ابن قيس الرقيات:
والذي نغص ابن دومة ما تو ... حي الشياطين والسيوف ظماء
وكان يتخذ لأنصاره كرسيا قديم العهد غطاه بالديباج، وكان يقول لهم: "إن محله محل السكينة في بني إسرائيل"3، وروى المبرد كثيرا من شعوذته، وكيف كان يدعي أنه يلهم ضربا من السجع لأمور تكون ثم يحتال فيوقعها، فيقول للناس: هذا من عند الله عز وجل، ومن يرجع إلى سجعه يجده يعتمد فيه على الأقسام والإبهام، والإغراب على نحو ما كان يعتمد على ذلك الكهنة قديما من مثل قوله4:
"أما ورب البحار، والنخيل والأشجار، والمهامة5، والقفار، والملائكة الأبرار، والمصطفين الأخيار، لأقتلن كل جبار، بكل لدن خطار6، أو مهند بتار7، في جموع من الأنصار، ليسوا بميل أغمار8، ولا بعزل9 أشرار. حتى إذا أقمت عمود الدين، ورأبت شعب10 صدع المسلمين،
__________
1 البيان والتبيين 1/ 309-310، 1/ 325، والعقد الفريد 4/ 32.
2 الكامل للبرد ص 596.
3 نفس المصدر والصفحة، وانظر الحيوان للجاحظ 2/ 271.
4 الطبري، القسم الثاني ص 536.
5 المهامة: الفيافي والقفار.
6 لدن: الرمح القاطع للينه وحدته، والخطار: الضارب.
7 مهند: السيف، بتار، قاطع.
8 ميل: جمع أميل وهو الجبان، أو من لا سلاح معه، الأغماز: جمع غمز، وهو ناقص التجربة.
9 عزل: جمع أعزل، وهو من ليس معه سلاح.
10 شعب: ثلمة، ورأب الصدع: أصلحه.

الصفحة 88