كتاب محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

فأخذ منهم الفداء، فلما كان من الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو قاعد وأبو بكر، وهما يبكيان، فقلت: يا رسول الله! ما يبكيك أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "للذي عَرَضَ عليّ أصحابك: من الفداء، لقد عُرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة" - لشجرة قريبة - فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} ، إلى قوله: {عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 67] ، فلما كان من العام المقبل قتل منهم سبعون، وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكُسِرَت رباعيته1، وهشمت البيضة2 على رأسه، وسال الدم على وجهه، وأنزل الله تعالى: {أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أََصَبْتُم مِّثْلَيهَا قُلْتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفِسِكُم} ، بأخذكم الفداء {إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شِيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 165] 3.
__________
1 الربّاعية: السِّنّ التي بين الثَّنَّية والناب. (القاموس ص 929) .
2 البَيْضة: الخُوذة؛ سميت بذلك لأنّها على شكل بيضة النعام. (لسان العرب 7/125) .
3 أخرجه أحمد: المسند 1/250، رقم: 221، وصحّحه أحمد شاكر، وأخرجه بنحوه مسلم: الصحيح، كتاب الجهاد والسير 3/1385، رقم: 1763.

الصفحة 190