كتاب محض الصواب في فضائل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب

المناصب. وهذا يدل على التساهل من حكام المماليك في تطبيق أحكام أهل الذمة، ويبدو أن كلامه كان له أثر عند بعض حكام المماليك ولاسيما (ركن الدّين الجاشنكير) الذي بادر إلى عزلهم من الوظائف الحكومية، ثم أغلقت كنائسهم، وكتب بذلك إلى جميع نواب السلطة، فجمع النصارى واليهود في دمشق ومنعوا ركوب الخيل والبغال، ونودي بإلزامهم بشعار أهل الذمة1.
على أن هذه الإجراءات الشديدة سرعان ما خففت وأعيد استخدام اليهود والنصارى في المناصب الحكومية وبقي الزيّ، بل كان اليهود يتولون المناصب الهامة في مصر والشام، فكان هناك كاتب سامري، أي: جابي ضرائب ويعرف بابن إبليس السامري، وكان يلح في الطلب على المسلمين ومن أراد تأخيره منهم أو مسامحته بجبي المال يقطع عنه الطلب مقابل أخذه نصف المبلغ المستحق له شخصياً، ثم يشطب اسمه من قائمة الطلب، والناس معه في الذل والهوان، ولاسيما متولي الأوقاف، وأكثر الناس يتوددون إليه، وهو لا يزداد إلا طغياناً2.
وكان معلم دار الضرب في دمشق يهوديّاً، وكان مع ذلك معززاً ومكرماً، وهو الذي وصفه ابن طولون بأنه: "عدو الله وعدو رسوله وعدو المسلمين الذي أهلك النقدين".
بل وصلت الجرأة عندهم في بعض الأحيان إلى إعلان دينهم وإيذاء المسلمين فقد جاء جماعة من نصارى الحبشة وعددهم ثلاثة آلاف نفس ودخلوا القدس لزيارة كنيسة القيامة، وكان رئيسهم يجلس على كرسي من ذهب، وأمر بضرب الناقوس، فوافق وقت الأذان، فلم يسمع الآذان،
__________
1 القلقشندي: صبح الأعشى 13/271، 280، ابن طلحة: العقد الفريد للملك السعيد ص: 181، العلبي: دمشق بين عصر المماليك والعثمانيين ص: 84.
2 ابن شاكر: عيون التاريخ 12/ق 205.

الصفحة 25