كتاب دليل الداعية

حفص بن عاصم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع"، وعن أبي هريرة مثل ذلك1. فليحذر الذين يبادرون إلى الفتوى بغير علم، وليحذر الذين يشيعون الأحاديث المنكرة، والموضوعة من المشاركة في الكذب على الله وعلى رسوله.
وهل يكب الناس في النار على وجوههم، وقيل: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، فقد تقوم صراعات وتثور فتن، وتتفرق جماعات وتضيع حقوق وتذهب أوقات دون فائدة بسبب كلمة طائشة، أو اتهامات غاضبة أو نقل لكلام خاطئ، ومنه الغيبة والنمية، والخوض في أعراض الناس في المجالس وغيرها، بل قد تكون فاكهة المجلس ومحور الحديث، فينبغي على الداعية حفظ لسانه عن مثل هذه المحرمات والتحذير منها.
يفسر ابن حجر حفظ اللسان "بالامتناع عن النطق بما لا يسوغ شرعا مما لا حاجة للمتكلم به"، ويشير النووي إلى ما يعين المتكلم على حفظ لسانه فيقول: "وينبغي لمن أراد النطق بكلمة أو كلام أن يتدبره في نفسه قبل نطقه، فإن ظهرت مصلحته تكلم به وإلا أمسك لسانه"، "فالضابط الأساسي لحفظ اللسان الحذر من التسرع في الكلام، والتدبر والتفكر قبل إخراجه ووزن الكلمة في ميزان الشرع، وابتغاء المصلحة الشرعية وإلا فعليه أن يمسك لسانه".
ومن حفظ اللسان حمايته من الخوض فيما لا يعني ولا يغني، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد وجه المسلم لاغتنام طاقاته فيما ينفع، وترك ما يضر ففي الحديث الصحيح: "إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا
__________
1 صحيح الإمام مسلم، المقدمة رقم "5".

الصفحة 33