كتاب دليل الداعية

مواقف الجهاد والدعوة. ولذلك كان من وصاياه -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ وأبي موسى الأشعري قبل إرسالهما إلى اليمن قال: "يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا" 1. ويكون محرجا عند ما يتنازع داعيان فاضلان حول مسألة شرعية، والناس بأعينهم ينظرون، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم" 2، وكان من هديه -صلى الله عليه وسلم- عندما يسوي صفوف الصلاة أن يقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم" 3، تأمل أخي الداعية حتى الاختلاف في صفوف الصلاة قد ينعكس أثره على تأجيج اختلاف القلوب، وكلما كان احتكامنا للشرع صالحًا نكون أبعد عن مهاوي الفرقة والاختلاف، فيجب على عقلاء الأمة، وأصحاب الرأي والعلم دفع كل خلاف، وفض كل نزاع، والمبادرة إلى الأخذ بكل ما يوحد الصفوف، ومن ذلك فعل عمر -رضي الله عنه- في مبايعة أبي بكر عندما كثر اللغط قال: أمدد يدك أبايعك فتتابع الناس، ويكون بهذا العمل كما قيل في المثل: "قطعت جهيزة قول كل خطيب".
لا شك أنه كلما زادت الروابط بين أفراد فريق العمل الواحد كلما زاد تماسكه، وكلما زاد تماسكه زادت قوته في التأثير على أفراد المجتمع، فقد دلت الأبحاث على أن كثيرًا من الأفراد ينصاعون لرأي الجماعة المتماسكة حتى ولو كان ذلك مخالفًا لرأيهم، فقرار الجماعة المؤمنة من أقوى القرارات في تعديل بعض الاتجاهات المخالفة، وتلافي السلبيات، ومما يعين على المطاوعة والتنازل، التزام حدود
__________
1 صحيح الإمام البخاري، كتاب الجهاد والسير: "3038".
2-3 صحيح الإمام مسلم، كتاب الصلاة: "432".

الصفحة 48