كتاب معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (اسم الجزء: 1)

ما أملاه هذا الخلدي [يعني المبرد] فرأيته لا يطوع لسانه بعبارة فقلت له: إنه لا يشكّ في حسن عبارته اثنان، ولكن سوء رأيك فيه يعيبه عندك، فقال: ما رأيته إلا ألكن متغلقا، فقال أبو موسى: والله إن صاحبكم ألكن- يعني سيبويه- فأحفظني ذلك. ثم قال: بلغني عن الفراء أنه قال: دخلت البصرة فلقيت يونس وأصحابه فسمعتهم يذكرونه بالحفظ والدراية وحسن الفطنة فأتيته فإذا هو أعجم لا يفصح، سمعته يقول لجارية له هات ذيك الماء من ذاك الجرة، فخرجت من عنده ولم أعد إليه. فقلت له: هذا لا يصحّ عن الفرّاء، وأنت غير مأمون في هذه الحكاية، ولا يعرف أصحاب سيبويه من هذا شيئا، وكيف تقول هذا لمن يقول في أول كتابه: هذا باب علم ما الكلم من العربية، وهذا يعجز عن إدراك فهمه كثير من الفصحاء فضلا عن النطق به؟
فقال ثعلب: قد وجدت في كتابه نحوا من هذا، قلت: ما هو؟ قال يقول في كتابه، في غير نسخة: «حاشا» حرف يخفض ما بعده كما تخفض حتى وفيها معنى الاستثناء، فقلت له: هذا كذا في كتابه وهو صحيح، ذهب في التذكير إلى الحرف وفي التأنيث إلى الكلمة، قال: والأجود أن يحمل الكلام على وجه واحد، قلت:
كلّ جيد، قال الله تعالى: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً
(الأحزاب: 31) وقرىء وتعمل صالحا وقال عز وجل: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ
(يونس: 42) ذهب إلى المعنى ثم قال وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ
(يونس: 43) إلى اللفظ.
وليس لقائل أن يقول: لو حمل الكلام على وجه واحد في الاثنين كان أجود، لأن كلّا جيد، فأما نحن فلا نذكر «حدود» الفراء لأنّ خطأه فيه أكثر من أن يعد، ولكن هذا أنت عملت «كتاب الفصيح» للمبتدىء المتعلم وهو عشرون ورقة، أخطأت في عشرة مواضع منه، قال لي: اذكرها، قلت له: نعم، قلت وهو عرق النّسا [1] ولا يقال عرق النسا كما لا يقال عرق الأبهر ولا عرق الأكحل، قال امرؤ القيس [2] .
فأنشب أظفاره في النسا ... فقلت هبلت ألا تنتصر
__________
[1] الفصيح: 43.
[2] ديوان امرىء القيس: 161. والعقد الثمين: 127 والمختار من شعر بشار: 226 وقال الأصمعي: لا تقول العرب عرق النسا إنما تقول النسا وأجاز غيره أن يقال: عرق النسا.

الصفحة 56