كتاب الرقة والبكاء لابن قدامة

قُرَيْشٍ حَتَّى أَنْطَلِقَ إِلَى هَذَا الْجَبَلِ، فَإِنِّي قَدْ طَلَبْتُ مُحَمَّدًا فِي مَظَانِّهِ إِلا هَذَا الْمَكَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَبَلِ الَّذِي يُطِلُّ عَلَى مَكَّةَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ أَنْعِي مُحَمَّدًا فَلْيَجَأْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ جَلِيسَهُ.
قَالَ: وَخَرَجَ أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ يُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ! حَتَّى بَلَغَ أَسْفَلَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَكَانَ الَّذِي أَرَادَ، فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ يَا عَمِّ؟ قَالَ: ظَنَنْتُ وَاللَّهِ أَنَّكَ قَدِ اغْتِلْتَ، فَقَدْ كِدْتَ تَجْرِمُنِي الْيَوْمَ أَنْ أَقْتُلَ قَوْمِي فِيكَ! أَلا تُخْبِرْنِي إِذَا خَرَجْتَ مَكَانًا أَيْنَ مَكَانَكَ فَأَعْرِفُهُ؟ , فَقَالَ لَهُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَمِّ، مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يُسْعِدَهُ اللَّهُ بِمَا بُعِثْتُ بِهِ مِنْكَ، أَفَلا أُرِيكَ آيَةً عَلَى أَنْ تُسْلِمَ؟ قَالَ: وَمَا الآيَةُ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُرِيكَ شَيْئًا لا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُرِيكَهُ! قَالَ: فَأَرِنِيهِ! قَالَ: تَرَى تِلْكَ الشَّجَرَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي أَدْعُو رَبِّي فَيَأْتِيكَ بِهَا حَتَّى تَنْظُرَ إِلَيْهَا عِنْدَكَ.
قَالَ: فَافْعَلْ! قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَقْبِلِي بِإِذْنِ اللَّهِ، فَأَقْبَلَتِ الشَّجَرَةُ تَهْتَزُّ حَتَّى أَتَتْهُمَا، فَقَالَ: خُذْ مِنْ وَرِقِهَا وَمِنْ بَعْضِ غُصُونِهَا.
فَأَخَذَ أَبُو طَالِبٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: ارْجِعِي بِإِذْنِ اللَّهِ، فَرَجَعَتْ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَمِّ عِنْدَكَ اتْبَعْنِي، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي لِهَذَا يَقُولُ قَوْمُكَ إِنَّكَ سَاحِرٌ، فَانْطَلِقْ حَتَّى أُؤْنِسُهُمْ مِنْكَ،

الصفحة 104