كتاب الرقة والبكاء لابن قدامة

إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْمٌ أَوْقَفَهُمُ الْقُرْآنُ، وَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَلَكَتِهِمْ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ أَسِيرٌ فِي الدُّنْيَا، يَسْعَى فِي فَكَاكِ رَقَبَتِهِ، لا يَأْمَنُ شَيْئًا حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ، يَعْلَمُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ، وَفِي لِسَانِهِ، وَفِي جَوَارِحِهِ، مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ "
! 156 وَعَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ، يَقُولُ: «الْمُؤْمِنُ فِي الدُّنْيَا كَالْغَرِيبِ، لا يَجْزَعُ مِنْ ذُلِّهَا، وَلا يُنَافِسُ أَهْلَهَا فِي عِزِّهَا، لِلنَّاسِ حَالٌ وَلَهُ حَالٌ أُخْرَى، قَدْ أَهَمَّتْهُ نَفْسُهُ، النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ، وَنَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ، وَاللَّهِ وَلَقَدْ أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا، لَهُمْ كَانُوا فِيمَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ أَزْهَدَ مِنْكُمْ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عليكُمْ، وَلَهُمْ بِدِينِهِمْ أَبْصَرُ بِقُلُوبِهِمْ مِنْكُمْ بِأَبْصَارِكُمْ، وَلَهُمْ بِحَسَنَاتِهِمْ أَشَدُّ خَوْفًا أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْكُمْ لِسَيِّئَاتِكُمْ أَنْ تُعَاقَبُوا عَلَيْهَا، إِذَا جَنَّهُمُ اللَّيْلُ فَقِيَامٌ عَلَى أَطْرَافِهِمْ، يَفْتَرِشُونَ وُجُوهَهُمْ، تَجْرِي دُمُوعُهُمْ عَلَى خُدُودِهِمْ، يُنَاجُونَ رَبَّهُمْ فِي فَكَاكِ رِقَابِهِمْ»
! 157 وَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ بِالسَّاعَةِ إِلا بَكَى، وَإِلا نَصِبَ، وَإِلا ذَبُلَ، وَإِلا حَزَنَ، وَإِلا ضَاقَتْ عَلَيْهِ الأَرْضُ بِرَحْبِهَا»
!

الصفحة 54