كتاب في سبيل الإصلاح

القماش دعتني إلى الجلوس عليه، ثم جلست هي على كرسي آخر، وكانت كأمها حواء لا يستر جسمها العاري إلا «ورقتان» خصفتهما عليه من أمام ومن خلف، فسرعان ما ذكرت ذلك المكتب الفخم الذي كانت تجلس قبالتي عليه لتستعد لامتحان البكالوريا، وهي ملففة بثوبها الأزرق الأنيق المسبل، وعيناها الساجيتان لا تفارقان الصحيفة حياء وخفراً، وثغرها الحيي الدقيق، لا يرسل سهل الكلام إلا في تلعثم وبطء ...).
...
لما بلغت في المقالة هذه الصورة، كنت متمدداً في فراشي أهم بإدارة مفتاح النور والاستسلام للنوم، فطار النوم من مقلتي، وتوقدت في أعصابي نيران الغضب للفضيلة المجنيّ عليها والعرض المُزدرَى، ودار في نفسي كلام، لو أنا أطعت النفس وبعثت به للنشر لبعثت عاصفاً يعصف بهذا البك الذي ارتضى لفتاته ما لا ترتضيه البهائم لإناثها من غيرتها عليها، وهذا الشاب الذي صارع الأمواج ليثبت رجولته المزورة، ثم انصرف إلى هذا «الكابين» الذي لا أعرف أي شيء هو، وقد صُرع شرفه وسلم عرضه، ولأرسلت شواظاً من نار على هذه (المجلات) المستهترة التي سخرها إبليس لهدم الأخلاف ونسف الفضائل والدعوة إلى شرع الشهوات بما تنشر من الصور العارية، وما تحبذ من السفور والحسور والاختلاط، وما تنال من أصحاب الشرف والفضيلة كالشيخ الجليل أبي العيون ...
ثم رددت القلم إلى قرابه، وأطفأت بكأس اليأس وقدة الغضب، ورجعت على نفسي باللوم فقلت: يا نفس ويحك! هل تظنين أنك وحدك المحقة، وهؤلاء الناس كلهم من المبطلين، وكلهم يخطئ وأنت تصيبين؟ أو لا ترين للناس عيوناً يبصرون بها هذا كله كما يبصره (أبو العيون) ثم يسكتون؟ فلو كان محرماً أو ممنوعاً أكانت مصر تقرّه؟ أو كان علماؤها يكفون عن إنكاره؟ أوَ كان كبراؤها وعظماؤها يرضونه لبناتهم وأخواتهم؟ كُفِّي يا نفس فقد مضى زمنك وغبرت أيامك، وصرت في آرائك وأفكارك من آثار الأولين. وهل تريدين أن يعود الناس إلى عصر الجهالة والظلام يوم كان الأب ربَّ بيته،

الصفحة 189