كتاب المخارج في الحيل

فإن قيل: لماذا لم يجعل هذا اللفظ التزاماً للتصدق بقيمته؟ قلنا: لأنه قال فهو صدقة ولم يقل قيمته صدقة، والملتزم للتصدق بالعين لا يكون ملتزماً للتصدق بالقيمة.
ولو حلف المطلوب أن لا يعطي الطالب شيئاً ثم أمر المطلوب رجلاً فأعطاه حنث في يمينه، لأن الحالف هو المعطي فإن الدافع رسول من جهته بالتسليم إلى فلان فيصير المعطي فلاناً، ألا ترى أنه لو دفع صدقته إلى إنسان ليفرقها على المساكين ثم إن الدافع لم يحضر النية عند التصدق جاز إذا وجدت النية ممن عليه التصدق وجعله كأنه هو المعطي، فهذا مثله.
فإن حلف أن لا يعطيه من يده إلى يده لم يحنث، لأنه جعل شرط حنثه إعطاء مقيداً بصفة وهو أن يكون بالمناولة، وهذا لأن الإعطاء من يده أتم ما يكون من الإعطاء وهو المباشر للإعطاء فيه حقيقةً وحكماً، وإذا صرح في يمينه بالإعطاء على أتم الوجوه لا يحنث بما دونه، وإذا أطلق اللفظ يعتبر ما هو المقصود، وذلك حاصل سواء أعطاه بيده أو أمر غيره فأعطاه.
وإن حلف أن لا يعطيه مما عليه درهماً فما فوقه فأعطاه بحقه كله دنانير وإنما عني الدراهم لم يحنث، لأنه صرح في يمينه بالدراهم ولا بد من اعتبار ما صرح به خصوصاً إذا تأيد ذلك بنيته، ولأن الإنسان قد يمتنع من إعطاء الدراهم ولا يمتنع من إعطاء الدنانير لما له من المقصود في الصرف، والتقييد إذا كان فيه غرض صحيح يجب اعتباره.
ولو قال لرجل إن أكلت عندك طعاماً أبداً فهو كله حرام ينوي بذلك اليمين فأكله عنده لم يحنث، لأنه يجعل الحرام ما أكله، وبعدما أكله لا يتصور أن يجعله حراماً، وهذا لأن وصف الشيء بأنه حرام بطريق أنه محل لإيقاع الفعل الحرام فيه وذلك لا يتحقق بعد الأكل، وتحريم حلال إنما يكون يميناً إذا صادف محله؛ فأما إذا لم يصادف محله كان لغواً، ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول إنه بعدما أكله حرام؛ ألا ترى أنه على أي وجه انفصل عنه كان

الصفحة 130