كتاب المخارج في الحيل

كرهت قضاء الله وقدره، وأما قوله فالله قتله وأنا معه، أي: وأنا معه مقتول أُقتل كما قُتل عثمان رضي الله عنه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه يستشهد بقوله وإن أشقى الأولين والآخرين من خضب بدمك هذه من هذه وأشار إلى عنقه ولحيته، وقد كان علي رضي الله عنه ابتلي بصحبة قوم على همم متفرقة، فقد كان يحتاج إلى أن يتكلم بمثل هذا الكلام الموجه.
ومنه ما يروى عن سويد بن غفلة أن علياً لما قتل الزنادقة نظر إلى الأرض ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال صدق الله ورسوله، ثم قام فدخل بيته فأكثر الناس في ذلك، فدخلت عليه فقلت يا أمير المؤمنين ماذا فنيت به الشيعة منذ اليوم، أرأيت نظرك إلى الأرض ثم رفعك الرأس إلى السماء ثم قولك صدق الله ورسوله، أشيء عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء رأيته؟ فقال عليٌّ: هل عليَّ من بأس أن أنظر إلى الأرض؟ فقلت لا، فقال وهل عليَّ من بأس أن أنظر إلى السماء؟ فقلت لا، فقال هل عليَّ من بأس أن أقول صدق الله ورسوله؟ فقلت لا، فقال فإني رجل مكايد.
وإنما أشار إلى المعنى الذي بيَّنا أنه يحتاج إلى الوقوف على ما يضمره كل فريق من أصحابه وكان يتصنع مثل هذا الكلام ويتكلم بكلام موجه لذلك.
ومنه ما روي أنه كان إذا دخله ريبة من كل فريق جعل يمسح جبينه ويقول ما كَذبت ولا كُذبت، يوهمهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بحالهم فيظهرون له ما في باطنهم.
ومن ذلك ما روي عن علي رضي الله عنه قال والله لا أغسل شعري حتى أفتح مصر وأترك البصرة كجوف حمار ميت وأعرك أذن عمار عرك الأديم وأسوق العرب بعصاي، فذكروا لابن مسعود رضي الله عنه ذلك فقال إن علياً يتكلم بكلام لا يصدر مصادره هامة عليَّ مثل الطشت لا شعر عليها فأي شعر يغسله.
فبهذه يتبين أن الكبار من الصحابة رضي الله عنهم كانوا يستعملون معاريض الكلام في حوائجهم وكذلك من بعدهم من التابعين، رحمهم الله، على ما يحكى عن

الصفحة 98