كتاب المخارج في الحيل

رجل قال كنت عند إبراهيم رحمه الله وامرأته تعاتبه في جاريته وبيده مروحة، فقال أشهدكم أنها لها، فلما خرجنا قال علي ماذا شهدتم؟ قلنا شهدنا على أنك جعلت الجارية لها، فقال أما رأيتموني أشير إلى المروحة، إنما قلت لكم اشهدوا أنها لها وأنا أعني المروحة التي كنت أشير إليها.
وكانوا يعلمون غيرهم ذلك أيضاً على ما ذكر في الكتاب عن إبراهيم رحمه الله في رجل أخذه رجل فقال إن لي معك حقاً، قال لا، فقال احلف لي بالمشي إلى بيت الله تعالى، فقال احلف وأعن مسجد حيك.
وإنما يحمل هذا على أن إبراهيم رحمه الله علم أن المدعي مبطل وأن المدعى عليه برئ، فعلمه الحيلة وهي أن يحلف بالمشي إلى بيت الله تعالى يعني مسجد حيه فإن المساجد كلها بيوت الله تعالى أذن الله أن ترفع ويذكر فيه اسمه قال عز وجل (وأن المساجد لله) ولكن فيه بعض الشبهة فإنه إن كان الرجل بريئاً عن الحق ما كان يلزمه شيء لو حلف بالمشي إلى بيت الله من غير هذه النية، وإن لم يكن بريئاً ما كان له أن يمنع الحق ولا كان يحل لإبراهيم أن يعلمه هذا ليمنع به الحق ولا كان ينفعه هذه النية، فإن الحالف إن كان ظالماً فاليمين على نية من يستخلفه لا على نية الحالف ولا يعتبر نيته عل ما نبينه، ففيه هذا النوع من الشبهة.
وعن إبراهيم رحمه الله أن رجلاً قال له إن فلاناً أمرني أن آتي مكان كذا وأنا لا أقدر على ذلك فكيف الحيلة لي؟ فقال قل والله لا أبصر إلا ما بصرني غيري، وفي رواية إلا ما سددني غيري، يعني إلا ما بصرك ربك- فيقع عند السامع أن في بصره ضعفاً يمنعه من أن يأتيه في الوقت الذي يطلب منه فلا يستوحش بامتناعه، وهو يضمر في نفسه معنى صحيحاً فلا تكون يمينه كاذبة، وبيانه فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كمال العقل مؤاتاة الناس فيما لا إثم فيه".
وذكر عن ابن سيرين رحمه الله قال كان رجل من باهلة عيوناً فرأى بغلة

الصفحة 99