كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

والعوامل التي كونت نشأة الاستشراق متعددة: دينية، وسياسية، واقتصادية، وعلمية، وغير ذلك.
فالعامل الديني واضح لا غموض فيه وهو يهدف إلى نشر الديانة المسيحية وتبليغ دعوتها، وتصوير الإسلام تصويرا يثبت فضل المسيحية ورجحانها عليه، ويبعث في الطبقة المثقفة إعجابا بالمسيحية وحرصا عليها ويحول بين أفرادهم والدخول في الإسلام، لذا ركزوا على إثارة الشبهات والأباطيل حول القرآن خاصة والإسلام عامة لهذا الغرض نفسه. ولذلك نرى أن «الاستشراق والتبشير» يسيران في أغلب الأحوال معا. وأن عدد المستشرقين الأكبر أساقفة، وعددا منهم يهود ديانة وجنسا.
أما العامل السياسي فواضح كذلك فقد كان المستشرقون روادا لدولهم الغربية في الشرق، ومن واجبهم أن يمدوها بمددهم العلمي ليتعرف الغرب - عن قرب - على الشرق في كل شئون حياته، ويتسنى له أن يبسط نفوذه وسلطته على الشرق وأن يحسن التعامل مع أهله، ويتسنى له قيادهم والتحكم فيهم.
أما العامل الاقتصادي فكثير من المثقفين اتخذ الاستشراق تجارة رابحة، ومهنة ناجحة. فشجعوا نشر الكتب التي تدور حول الإسلام والعلوم الشرقية، وأشرفوا على نشرها لما يرون لها من سوق نافقة في أوربا وآسيا وغيرهما من بلاد العالم اليوم.
وأما العامل العلمي المحض فهو محدود وقد كان من عدد قليل من المثقفين الذين اهتموا بالدراسات الشرقية لشغفهم العلمي «1».
هذه العوامل وغيرها كانت من الأسباب الرئيسية في نشأة الاستشراق ودفع عجلته للأمام وكان من أوائل من اهتم بالدراسات الاستشراقية الراهب الفرنسي «جوبرت» الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام (999 م) بعد تعلمه في
______________________________
(1) الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية لأبي الحسن الندوي ص 187 وما بعدها (بتصرف).

الصفحة 25