كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

الإلهي. ومن هنا نرى في كل مؤلف من الكتاب ما امتاز به من المواهب الطبيعية ونمط التأليف وما شابه ذلك.
وقولهم هذا في الوحي أبعد ما يكون عن الصعيد الديني المتصل باللّه وأقرب إلى مدلول الكشف الذي عرفت البشرية ألوانا صافية منه لدى الشعراء الملهمين والمتصوفين العارفين وألوانا عكرة كدرة لدى الكهان والعرافين، وأكثرهم من الدجاجلة الكذابين.
فمن السهل إثبات الكشف لكل من يدعيه، ثم ننكر عليه مدلول الوحي ولو ظل يدعيه، وغالبا ما يكون هذا ثمرة من ثمار الكد والجهد، أو أثر من أثار الرياضة الروحية، أو نتيجة للتفكير الطويل، فلا ينشئ في النفس يقينا كاملا أو شبه كامل بل يظل أمرا شخصيا ذاتيا لا يتلقى الحقيقة من مصدر أعلى وأسمى «1».
المسألة الرابعة: الوحي في أسفار العهد القديم:
تعبر أسفار العهد القديم عن الوحي «بكلام الرب» وقد تعبر بلفظة الوحي عن «الرؤيا» كقوله مثلا: (و كلم الرب موسى قائلا) «2» وقوله في سفر ملاخي (الوحي الذي رآه حبقوق النبي).
من هذا يتضح أن أنبياء بني إسرائيل كانوا يتلقون الكلام الإلهي إما مباشرة من اللّه سبحانه، أو عن طريق (رجل الرب)، أو عن طريق الرؤيا.
ومن هنا تختلف نظرية الوحي في الإسلام عنها في اليهودية والنصرانية حيث لا مجال عندهما لاتصال روحي بين الملأ الأعلى وبين رسل اللّه.
______________________________
(1) مباحث في علوم القرآن - صبحي الصالح ص 26.
(2) سفر التكوين 6/ 3 - 23، الإصحاح 7/ 3 - 5، الإصحاح 12/ 1 - 4.

الصفحة 377