كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

ويرد ذلك الوقوف على سيرته - صلّى اللّه عليه وسلّم - وعلى كيفية نزول الوحي عليه.
فالواقف على ذلك يجد أن الوحي كان يأتي رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - في أوقات عدة وبأشكال مختلفة فقد كان يأتيه في ظروف اعتيادية، ويقطعه في ظروف عصيبة وهو بأشد الحاجة إليه. فكل ذلك يدل على أن الوحي خارج عن ذاته وليس له فيه أدنى تدخل. فها هم المنافقون يخوضون في عرضه الشريف في قصة الإفك التي افتريت ضد زوجته المصون ويشتد الأمر عليه ويتمنى لو يجد شيئا يقوله ليبرئ زوجته أو يثبت ما يقولونه فيرتاح مما هو فيه ولكن الأمر ليس بيده، ولم يستطع أن يقول شيئا حتى نزل من صاحب هذا القرآن وهو اللّه سبحانه ما يبرئ هذه الزوجة الطاهرة النقية ويرد كيد المنافقين.
وما حصل معه في سؤال المشركين له عن ثلاثة الأسئلة المذكورة في قصة أهل الكهف وقد ذكرت القصة بطولها أثناء ردي على الشبهة الأولى مما بينت أن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - لم يستطع أن يأتيهم بجواب حتى خاض المشركون في أمر الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - ما طاب لهم من قول حتى نزلت الإجابة من السماء.
كل ذلك يؤكد أن الوحي أمر خارج عن إرادة نبينا محمد - صلّى اللّه عليه وسلّم - وعن رغبته وأنه ما كان يظهر عليه أثناء نزول الوحي عليه أثر للانفعالات الطاغية المزعومة عند «نولديكه» فقد كان يأتيه أحيانا بصورة رجل كبقية الرجال حتى أنه لا يستطيع أن يميز جبريل - عليه السلام - أحد من الحاضرين إلا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فيدارس الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - قواعد الإسلام وأصوله كما حصل فيما رواه «عمر» في حديثه الطويل. كما أنه أحيانا كان ينفث في روعه شيئا من أمور الإسلام.
وأشد ما كان يلاقيه عند نزول جبريل - عليه السلام - بصوت كصلصلة الجرس وهذا الصوت كان يثير في رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - عوامل الانتباه فتهيأ نفسه بكل قواها لتلقي القول الثقيل الذي جاء به من اللّه - سبحانه وتعالى - وهذه الكيفية شدتها ناتجة لما يحصل من ممازجة جبريل - عليه السلام - لروح محمد -

الصفحة 388