كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

ما سماه «واط» (التنويم الذاتي) «1».
الجواب:
هذه فرية من جملة مفترياتهم حيث إن البعد شاسع بين الوحي وبين عارض السبات الطبيعي الذي يعتري المرء حيث إن ظاهرة الوحي كانت تعتريه قائما أو قاعدا، أو سائرا، أو راكبا، وبكرة أو عشيا، ليلا أو نهارا، وفي أثناء حديثه مع أصحابه أو مع أعدائه، وكانت تعتريه فجأة وتزول عنه فجأة، وتنقضي عنه أحيانا في لحظات يسيرة لا بالتدريج الذي يعرض للوسنان. وكانت تصاحبها تلك الأصوات الغريبة التي تشبه صلصة الجرس والتي لا تسمع عند النوم وغيره. فمن هنا يظهر أنها كانت تباين حال النائم في كل أوضاعها وأوقاتها وأشكالها. فقد صور لنا الإمام البخاري - رحمه اللّه تعالى - بسنده إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - صورة من هذه الصور عند ما طلب يعلى من عمر بن الخطاب - رضي اللّه عنهما - أن يريه النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - حين يوحى إليه.
قال الإمام البخاري: فبينما النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - بالجعرانة ومعه نفر من أصحابه جاءه رجل فقال: يا رسول اللّه كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - ساعة فجاءه الوحي، فأشار عمر - رضي اللّه عنه - إلى يعلى، وعلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - ثوب قد أظل به فأدخل رأسه فإذا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - محمر الوجه، وهو يغط. ثم سري عنه. فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك «2».
فهذا يبين أن ظاهرة الوحى ليس لها تحضير مسبق من قبل رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - كما زعم ذلك «واط» بل هي ظاهرة خارجة عن ذاته الشريف وبغير
______________________________
(1) وحي اللّه - د/ حسن عتر ص 141.
(2) انظر صحيح البخاري، كتاب الحج - باب غسل الخلوق من الثياب انظر إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 3/ 104 - 105.

الصفحة 390