كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

فجأة وبإذن من صاحبه فقط وهو اللّه سبحانه، وبلحظات خاطفة كما بينت خلال ردي على الشبهة السابقة، فهو إذا ليس نتيجة فيضان نفسي، أو كبت لمجموعة من التأملات احتشدت وتفجرت في نفس النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - لأن النبوة اصطفاء رباني علوي مسبوق ببعض الإرهاصات، لا يعرف التدرج إلى ما يسمى النضج في النهاية.
2 - أمر نبوة محمد - صلّى اللّه عليه وسلّم - ليس أمرا بدعيا وإنما هو حلقة في سلسلة النبوة، ولبنة في صرحها العظيم يعرفه كل أصحاب الديانات لذا فعند ما سمع ورقة ابن نوفل من رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - خبر الوحي قال له: هذا هو الناموس الذي أنزله اللّه على موسى - عليه السلام - «1».
قال الأستاذ قحطان الدوري: [إن الوحي أمر خارج عن النفس وهو الأساس الذي يبنى عليه الاعتقاد بالنبوات، وهو الطريق الذي جاءت به العقائد .. ولذلك اهتم الأعداء بإثارة الشكوك حول الوحي، والوحي أمر ثقيل لا يستطيعه إلا من ارتاض جسده على تحمل عبء النبوة] «2».
3 - الواقع التاريخي وسيرته - صلّى اللّه عليه وسلّم - تكذب وتبطل هذه الفرية:
أ - من ذلك ما نقلته لنا كتب السير قدوم عبد اللّه بن أم مكتوم يطلب من رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أن يعلمه مما علمه اللّه في الوقت الذي كان جالسا يخاطب فيه زعماء قريش ويناجيهم طمعا في إسلامهم، فانصرف عنه وعبس في وجهه. فعاتبه اللّه عز وجل على ذلك بصدر سورة عبس «3».
وكذلك حادثة «4» أخذه الفدية بدلا من قتل الأسرى في عقب غزوة بدر فنزل عتابه بقوله تعالى:
______________________________
(1) إرشاد الساري لشرح البخاري - كتاب كيف كان بدء الوحي إلى رسول اللّه - 1/ 65.
(2) انظر تصحيح المفاهيم - أنور الجندي ص 54 - 56.
(3) أسباب النزول للواحدي ص 332 (طبعة مكتبة المتنبي - القاهرة).
(4) نفس المرجع ص 178.

الصفحة 392