كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ .. «1» وحادثة مجادلة خولة بنت ثعلبة وشكواها زوجها لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فنزل صدر سورة المجادلة قبل مفارقتها المجلس «2».
فما نزل من هذه الوقائع كان في حينه وقبل أن ينهض رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - من مجلسه أحيانا مما يؤكد أنه ليس نتيجة إجهاد ذهن أو طول تفكير بساعات الليل لصفائها على حد زعم بعض المستشرقين.
وقصة إرسال قريش للنضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لأحبار اليهود بالمدينة وسؤالهم الأحبار عن محمد - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن أمر الفتية، والرجل الطواف، والروح، فأخبرهم أنه سيجيبهم في الغد ولم يستثن ولكن الوحي انقطع خمس عشرة ليلة حتى أرجف أهل مكة لانقطاع الوحي وكثر اللغط في حق الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - فنزل صدر سورة الكهف «3».
فلو كان نبينا محمد يأتي بهذا القرآن من بنات فكره، وبلمسة فكرية سحرية منه أو بإطالة تأمل فما الذي كان يمنعه من أن يأتي بشيء منه للإجابة على أسئلتهم مع أنه في أشد الحاجة إليه وخاصة في مثل هذه الظروف.
ولكنه ما كان ليذر الكذب على الناس ويكذب على اللّه «4» وصدق ربنا إذ يقول: ولَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ «5».
ب - آيات كثيرة عاتب اللّه سبحانه فيها نبينا محمدا - صلّى اللّه عليه وسلّم - عتابا عنيفا، ونقده نقدا مرا على إثر تصرف معين منه كقوله تعالى على إثر تحريم رسول اللّه -
______________________________
(1) سورة الأنفال: 67.
(2) نفس المرجع ص 304.
(3) انظر ردنا على الشبهة الأولى.
(4) النبأ العظيم - دراز ص 23 - 24.
(5) سورة الحاقة: 44 - وما بعدها.

الصفحة 393