كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

عند تقبل الوحي. وأنت إذا ما استثنيت المرض الذي استولى عليه في الستين من عمره، رأيته لم يصب بغير وجع الرأس مرتين أو ثلاث بسبب أسفاره الطويلة تحت وهج الشمس، ذلك الوجع الذي عولج بوضع المحاجم على رأسه .. وكان النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا نزل عليه الوحي يتحدر جبينه عرقا في البرد كأنه الجمان، «1» وكان يحمر الوجه وهو يغط كما يغط البكر «2» وكان إذا ما خرج من نوبة الوحي يتلو ما أوحي إليه والآيات، فكان بعض المسلمين يحفظونه عن ظهر قلب أو يكتبونه كما يمليه عليهم .. ] «3».
ومع تحفظنا على بعض ما ورد في كلامه فلا نحسبه كتبه من دافع الحب للإسلام وأهله. بل هو لا يقل عن غيره من المستشرقين تعصبا ضد الإسلام ونبيه - عليه الصلاة والسلام -، فإن كتابه هذا مليء بالغمزات المسمومة والوخزات المخدرة، ولكنه لم يستطع أن يخفي مثل هذه الحقيقة الواضحة.
كما أن التفرقة بين تخبطات المجانين والصرعى، وبين هزات الانتشاء الروحي، والإشراق النفسي ليس بالأمر العسير الذي يحتاج إلى علم غزير، وإلى دراسات عميقة .. إذ أن شقة الخلاف بين الحالين بعيدة ومدى التفاوت بينهما طويل ممتد، وبأدنى نظر يستطيع المرء أن يعرف الحق من الباطل، والسليم من السقيم، فهذا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - لما نظر لابن صياد عرف أنه يهودي دعي كاذب، قد ركبته جنة، فجعل يخبط ويخرف فتند منه بعض كلمات تبرق فيها بوارق يحسبها كثير من الناس من متنزلات الغيب وما هي في حقيقتها إلا لمعات الخبل والجنون، وكم للخبل والجنون من لمعات .. ولكنها أشبه بلمعان السراب، يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا «4».
______________________________
(1) الجمان: اللؤلؤ.
(2) البكر: الفتى من الإبل.
(3) انظر حياة محمد - أميل درمنغم ص 245 - 247.
(4) كتاب النبي محمد - عبد الكريم الخطيب ص 148 (بتصرف).

الصفحة 400