كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

5 - أثبت الطب الحديث أن المصاب بالصرع يشعر بآلام حادة في كافة أعضاء جسمه، ويبقى حزينا كاسف البال بسببها، وكثيرا ما يحاول مرضى الصرع الانتحار من قسوة ما يعانون من آلام في النوبات، فلو كان ما يعتري النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - عند حالة الوحي صرعا، لأسف لذلك وحزن لوقوعه، ولسعد بانقطاع الوحي عنه، ولكن الأمر كان على خلاف ذلك لقد فتر الوحي عن الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - مدة من الزمن فحزن حزنا شديدا، وكان يذهب إلى غار حراء، وقمم الجبال عسى أن يعثر على الملك الذي جاءه بحراء أول مرة حرصا عليه، وأسفا على قليه وهجرانه له.
قال الزهري: عن عروة عن عائشة: «وفتر الوحي فترة حتى حزن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - حزنا شديدا وغدا مرارا كي يتردى من شواهق الجبال وكلما أوفى بذروة ليلقي نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول اللّه حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال مثل ذلك» «1».
الخلاصة:
يظهر لنا من خلال هذه المناقشة والأقوال أن ظاهرة الوحي ربانية المنشأ، ملائكية النقل، بشرية التبليغ، فرسولنا - صلّى اللّه عليه وسلّم - مبلغ فقط، لذا كان يحرص عليها كنعمة مهداة، له من اللّه سبحانه وتعالى بقوله: «اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» «2».
ولم يكن نتيجة ترو فكري. يدل على ذلك حرصه على حفظه قال تعالى:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ «3».
______________________________
(1) انظر السيرة النبوية للإمام الذهبي - ص 64.
(2) انظر مسند الإمام أحمد 2/ 168.
(3) سورة القيامة: 16.

الصفحة 404