كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

لكن مع صحة هذه الرواية لعبد اللّه بن مسعود فإنه لا ينقص ذلك من فضله ولا من علمه بكتاب اللّه شيئا وهو القائل: «واللّه لقد أخذت من في رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بضعا وسبعين سورة» وقل أن يحصل هذا لكثير من الصحابة كما أن رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال في حقه « .. خذوا القرآن من أربعة من عبد اللّه بن مسعود وسالم ومعاذ وأبي بن كعب» «1» ولكن هذه الروايات مع ثبوتها وصحتها لكنها توجه وتحمل على محامل ووجوه صحيحة بإذن اللّه تعالى.
1 - إن عدم كتابة ابن مسعود للمعوذتين وسورة الفاتحة لا يستلزم إنكار كونهما من القرآن الكريم لأن ابن مسعود كان ينكر إثباتها في المصحف فقط لأنه كان لا يرى إثبات شيء من القرآن إلا إن كان النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - أذن فيه، وكأنه لم يبلغه الإذن في ذلك فقال ما قال «2».
2 - ويحتمل أنه ما كان يكتبها اعتمادا على حفظ الناس وشهرتها وأنها أصبحت مما لا يمكن أن ينسى، لأن كتابة القرآن خوفا من أن ينقص منه شيء أو يزاد.
3 - وهناك احتمال قوي وهو ما ذكره أحمد في مسنده أنه كان يظن أنهما عوذة ورقية لأنه كان يرى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - يعوذ بهما الحسن والحسين فظن أنهما كقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - «أعوذ بكلمات اللّه التامة من كل شيطان وهامة ..
وكسائر الرقى» «3».
4 - يحتمل أنه قال ذلك في بادئ الأمر لعدم سماعه لها من النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - ولكن لما بلغه قول الجماعة وتأكدت قرآنيتها عنده رجع لهذه السور الثلاث وقال بقول الجماعة وأقرأها لتلاميذه وهذا ما أرجحه، وذلك لما بلغنا من أسانيد القراء الصحيحة لابن مسعود بقراءتهم القرآن بطريقه ومن ضمن ما
______________________________
(1) انظر فتح الباري 9/ 46.
(2) الفتح الرباني - للبنا 18/ 351 وما بعدها.
(3) تأويل مشكل القرآن الكريم ص 43 - 44.

الصفحة 410