كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

على قراءة من قرأ بضم أوله من غير همزة.
فالنسيان عارض بشري يجوز على الأنبياء فيما ليس طريقه البلاغ من أمور الدين والشريعة، أما ما كان من أمور الدين والشريعة مما هو واجب البلاغ فيجوز لكن بشرطين:
أحدهما: أنه بعد ما يقع منه تبليغه.
والآخر: أنه لا يستمر على نسيانه بل يحصل له تذكرة إما بنفسه وإما بغيره «1».
وأما قبل التبليغ فلا يجوز أصلا وهذا ما قام عليه الدليل العقلي إذ لو جاز النسيان قبل التبليغ أو بعده بدون أن يتذكر أو يذكره الغير لأدى إلى الطعن في عصمة الأنبياء ولجاز ضياع بعض الشرائع والأديان «2» ومثل هذا النوع من النسيان لا يزعزع الثقة بالرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - ولا يشكك في دقة جمع القرآن ونسخه وليس في هذا الخبر الذي ذكروه رائحة أن هذه الآيات لم تكن بالمحفوظات التي كتبها كتاب الوحي، وليس فيه ما يدل على أن أصحاب الرسول كانوا قد نسوه جميعا حتى يخاف عليها وعلى أمثالها الضياع ويخشى عليها السقوط عند الجمع واستنساخ المصحف الإمام، كما يفتري هؤلاء الخراصون، وعلى رأسهم «جرجس صال» و «بلاشير» بل الرواية نفسها تثبت صراحة أن في الصحابة من كان يقرؤها وسمعها منه الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - كما حصل ذلك من قراءة عباد بن بشر لها وسمعها منه رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فتذكرها ورسول اللّه قد حفظها قبل هذا الصحابي الجليل واستكتبها كتاب الوحي، وبلغها للناس فحفظوها عنه ومنهم رجل الرواية عباد بن بشر - رضي اللّه عنه -.
ونسيان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - لهذه الآيات أمر طبيعي يقع مع كل بني
______________________________
(1) انظر فتح الباري 9/ 86.
(2) انظر المدخل لدراسة القرآن الكريم ص 293.

الصفحة 424