كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

البشر إذا كان يقرأ نصا قرآنيا واشتغل ذهنه بغيره مع أنه مخزون في حافظته يظهر إذا دعاه داع يستعرضه ويستحضره ثانية ومثل هذا النسيان لا يعني إمحاءه من حافظته مطلقا لأن في ذلك إخلالا بوظيفة الرسالة والتبليغ «1» وهي بلا شك مما كتب في المصحف ولم تنقص منه كما يظن هؤلاء «2».
كما أن الأحاديث الصحيحة أشارت إلى أن جبريل - عليه السلام - كان يعارض رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - القرآن في كل رمضان مرة واحدة.
عن ابن عباس - رضي اللّه عنهما - أنه قال: «كان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن» الحديث «3».
وفي آخر رمضان من حياته عارضه مرتين والمقصد من هذه المعارضة هي تثبيت حفظ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وحذف منسوخ التلاوة، والإبقاء على النص القرآني صافيا محددا منضبطا فبكل هذه الأدلة يتضح لنا سلامة النص القرآني من الزيادة والنقصان وعدم تأثير ما كان يطرأ عليه من سهو ونسيان.
2 - أما دليلهم الثاني: وهو قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ استدل المستشرقون بهذه الآية على نسيان رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - القرآن ومرجع ذلك عندهم الجهل لمراد اللّه سبحانه وتعالى في الآية الكريمة فسبب نزول هذه الآية هو أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - كان يتذكر القرآن في نفسه مخافة أن ينسى، فأزال اللّه خوفه بهذه الآية.
أما الاستثناء: فالمحققون من العلماء على أنه ليس بحقيقي وإنما هو صوري يراد منه تأكيد عدم النسيان بتعليق الشيء على ما هو مستحيل وقوعه وليدل على استحالته بالبرهان وقد ضمن اللّه لنبيه تحقيقه له فكيف يشاء إنساءه له؟
______________________________
(1) انظر مناهل العرفان 1/ 259 - 260.
(2) انظر مناهل العرفان للزرقاني 1/ 258.
(3) انظر إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري 1/ 72.

الصفحة 425