كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 1)

وعدم وجود نسخ قديمة للمصحف الحالي لا يضره بشيء لأن هذا المصحف وجد له من دواعي السلامة والدقة مما هو فوق الشبهات، ورافقه حفظ الصدر في كل مراحله قبل تدوينه وبعدها. وفوق هذا الحفظ البشري فقد تكفله اللّه سبحانه بعنايته فحفظه حتى قيام الساعة قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ «1».
أما بالنسبة لحرق عثمان للمصاحف الخاصة فقد ذكرت سابقا أن حرقها لم يكن لغرض شخصي لتبقى الساحة خالية أمام مصحفه كما زعم بعضهم. بل إن حرقها كان بموافقة الصحابة رضوان اللّه عليهم بعد استشارة عثمان لهم وهذا ما بينه الإمام علي - رضي اللّه عنه - حيث قال مبينا غرض عثمان من الجمع ومدافعا عنه:
[ألا يا معشر الناس، اتقوا اللّه، وإياكم والغلو في عثمان وقولكم حراق المصاحف، فو اللّه ما حرقها إلا عن ملأ منّا أصحاب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -] «2».
وكان الداعي لذلك اختلاف الصحابة - رضوان اللّه عليهم - في قراءة القرآن فأبقى حرفا واحدا في المصحف العثماني دفعا لدابر الخلاف. والقاعدة الشرعية تقول: «درء المفاسد أولى من جلب المصالح».
فمن هنا يظهر تهافت كل دعاوي هؤلاء المستشرقين، ويتكشف عوار بحوثهم، ويظهر زيف وصفها بالأمانة والنزاهة العلمية ليعرف الناس هذا الصنف من الناس فتسقط لافتاتهم البراقة ويقف الناس على حقيقتهم وعن الانخداع بهم.
______________________________
(1) سورة الحجر آية: 9.
(2) انظر فتح الباري 9/ 18 كتاب فضائل القرآن.

الصفحة 480