كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 2)

أما القراءة الثالثة وهي التي رجحها «جولد تسيهر» وأطلق عليها القراءة المتواترة (كذبوا) «1» فهي قراءة شاذة ولا تعد قرآنا، ويحرم القراءة بها. ولا نوجهها لهذا السبب.
أما توجيه القراءتين المتواترتين:
فقراءة التخفيف (كذبوا) تعني أن المرسل إليهم ظنوا أنهم قد كذبوا فيما أتتهم به الرسل، فالظن بمعنى الشك أو اليقين.
أما قراءة التشديد (كذبوا) فتعني أن الرسل تلقاهم قومهم بالتكذيب.
والظن بمعنى اليقين.
والضمير (هم) في (أنهم) في الأولى تعود على المرسل إليهم وفي الثانية على الرسل «2».
أما استدلال «جولد تسيهر» لتصويب القراءة الشاذة وترجيحها بقصة مسلم بن يسار مع سعيد بن جبير أنه سأله كيف تقرأ هذا الحرف فإني إذا أتيت عليه تمنيت ألا أقرأ هذه السورة. فلما أجابه فرح وقام وعانقه لأنه كان يظن أن فاعل التكذيب الرسل لا المشركون.
فمسلم بن يسار إذن كان سائلا لسعيد بن جبير «3» عن شبهة علقت في ذهنه لسوء فهمه لهذه الآية الكريمة وهي أن اللّه أخلف وعده لرسله وذلك بإعادة الضمير في (ظنوا) للرسل. فأجابه مزيلا شبهته أن المرسل إليهم هم الذين ظنوا أن الرسل كذبتهم. ففاعل الظن المشركون لا الرسل فلما زالت الشبهة قام مسلم ابن يسار وعانق سعيد بن جبير فلا دليل إذن «لجولد تسيهر» في هذه القصة ولا حجة لشبهته.
______________________________
(1) نسب هذه القراءة الشاذة أبو حيان في تفسيره 5/ 355 لكل من ابن عباس ومجاهد والضحاك.
(2) الكشف عن وجوه القراءات 2/ 15.
(3) انظر تفسير الطبري 13/ 55.

الصفحة 519