كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 2)

فمن هذه القاعدة تكلم الزمخشري في هذه القراءة. والذي حمله على ذلك كما قال «ابن الجزري» إنه رأى في بعض المصاحف (شركائهم) مكتوبا بالياء.
ولو قرأ بجر (الأولاد والشركاء) لكان الشركاء هم الموءودون لأنهم شركاء في النسب والمواريث أو لأنهم قسيموا أنفسهم وأبعاض منها وجد في ذلك مندوحة.
وعلق ابن الجزري على قول الزمخشري قائلا: «والحق في غير ما قاله الزمخشري. ونعوذ باللّه من قراءة القرآن بالرأي والتشهي وهل يحل لمسلم القراءة بما يجد في الكتابة من غير نقل؟! بل الصواب جواز مثل هذا الفصل بين المصدر وفاعله والمضاف إليه بالمفعول في الفصيح الشائع لذاته اختيارا، ولا يختص ذلك بضرورة الشعر. ويكفي على ذلك دليلا هذه القراءة الصحيحة المشهورة التي بلغت التواتر. كيف وقارئها ابن عامر من كبار التابعين الذين أخذوا القراءة عن الصحابة كعثمان بن عفان وأبي الدرداء - رضي اللّه عنهما - وهو مع ذلك عربي صريح من صميم العرب، فكلامه حجة، وقوله دليل لأنه كان قبل أن يوجد اللحن ويتكلم به، فكيف وقد قرأ بما تلقى وتلقن وروى وسمع ورأى إذ كانت كذلك في المصحف العثماني المجمع على اتباعه. وقارئها لم يكن خاملا ولا غير متبع ولا في طرف من الأطراف ليس عنده من ينكر عليه إذا خرج عن الصواب فقد كان في دمشق التي هي إذ ذاك دار الخلافة وفيها الملك والمأتي إليها والناس يقصدونها من كل أقطار الأرض في زمن خليفة هو أعدل الخلفاء وأفضلهم بعد الصحابة الإمام «عمر بن عبد العزيز» - رضي اللّه عنه - أحد المجتهدين المتبعين الأتقياء العدول.
وهذا الإمام القارئ أعني ابن عامر مقلدا في هذا الزمن الصالح قضاء دمشق ومشيختها وإمامة جامعها الأعظم الجامع الأموي. ولقد بلغنا عن هذا الإمام أنه كان يجلس في حلقته أربعمائة عريف يقومون عنه بالقراءة ولم يبلغنا عن أحد من السلف - رضي اللّه عنهم - على اختلاف مذاهبهم وتباين لغاتهم وشدة ورعهم أنه أنكر على ابن عامر شيئا من قراءته ولا طعن فيها ولا أشار إليها بضعف، ولقد كان الناس بدمشق وسائر بلاد الشام حتى الجزيرة الفراتية

الصفحة 527