كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 2)

والإخبار في الآية على سبيل القطع واليقين وإخبار الواثق لأنه وحي إلهي كريم يعكس ما ظنه «جولد تسيهر» أنه رجاء وأمل أن يتم ذلك؛ لذا حدد الفترة التي سيتم فيها النصر - في بضع سنين - وعدم تحديد سنة بعينها مع علمه بذلك لأن الناس منهم من يحسب بالشمس، ومنهم من يحسب بالقمر، ومنهم من يكمل الكسور، ومنهم من يلغيها، فكان مقتضى الحكمة التعبير باللفظ الصادق على كل تقدير. ليكون أقطع للشبهة وأبعد عن كل جدل ومكابرة.
فحينئذ تكون الآية من الإخبار بالمستقبل المغيب الخاص علمه باللّه تعالى، وتكون من البراهين الدالة على صدق نبوة سيدنا محمد - صلّى اللّه عليه وسلم - وصدق المنزل عليه «1».
بعث كسرى جيشا إلى الروم واستعمل عليهم رجلا يسمى (شهريراز) فسار إلى الروم، بأهل فارس فظهر عليهم فقتلهم، وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم، وقد كان قيصر بعث رجلا يدعى «يحنس» فالتقى مع «شهريراز» بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب، فغلب فارس الروم، وبلغ ذلك النبي - صلّى اللّه عليه وسلم - وأصحابه بمكة، فشق ذلك عليهم، وكان النبي - صلّى اللّه عليه وسلم - يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، وفرح كفار مكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي - صلّى اللّه عليه وسلم - فقالوا: إنكم أهل الكتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من الروم وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل اللّه تعالى: الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ إلى آخر الآيات. فخرج أبو بكر الصديق - رضي اللّه عنه - إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن اللّه أعينكم فو اللّه ليظهرن الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا - صلّى اللّه عليه وسلم - فقام إليه أبي بن خلف، فقال: كذبت يا أبا فضيل، فقال أبو بكر - رضي اللّه عنه -: أنت أكذب يا عدو اللّه أناحيك عشر قلائص مني وعشر
______________________________
(1) القراءات في نظر المستشرقين والملحدين ص 113 - 117.

الصفحة 531