كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 2)

أما دعواه أن بعض الصحابة كعبد اللّه بن مسعود كان يجيز القراءة بالمعنى لسماعه قراءة القراء فوجدها قريبة كقول أحدنا: «هلم وتعال» فهذا مردود على المستشرقين.
قال القاضي أحمد بن عمر الحموي: «أما ما نقل عن الصحابة بأنهم يجيزون القراءة بالمعنى دون اللفظ كالذي نسب لابن مسعود لا يصح «1».
وقال ابن تيمية - رحمه اللّه - «وأما من قال عن ابن مسعود أنه كان يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه وإنما قال: نظرت إلى القراء فرأيت قراءتهم متقاربة وإنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلم، وتعال، فاقرءوا كما علمتم أو كما قال» «2».
فلا شك أن معنى القراءات الصحيحة في الآية الواحدة متقاربة ومنسجمة ولا تناقض بينها. ومما يؤكد أن مقصوده الاتباع في القراءة والتلقي لا الاجتهاد والتشهي قوله: «فاقرءوا كما علمتم» وهذا كله يبطل دعوى هؤلاء المستشرقين.
وقد ذكر الإمام البغوي في شرح السنة أن ما خالف المصحف العثماني يعد منسوخا قال - رحمه اللّه -: المصحف الذي استقر عليه الأمر هو آخر العرضات على رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - فأمر عثمان بنسخه في المصاحف وجمع الناس عليه، وأذهب ما سوى ذلك قطعا لمادة الخلاف فصار ما يخالف خط المصحف في حكم المنسوخ والمرفوع كسائر ما نسخ ورفع من القرآن الكريم، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج عن الرسم «3».
أما استدلاله بموقف عبد اللّه بن المبارك - رحمه اللّه - أنه كان لا يرد على أحد حرفا، فلا دليل لهم فيه لجواز أن من كان يقرأ عليه كان يعتمد على قراءة صحيحة الرواية، لذا فلا يجوز منه أن يرده عن قراءته السبعية بل يصحح لمن
______________________________
(1) القواعد والإشارات في أصول القراءات - أحمد بن عمر الحموي طبعة دار القلم دمشق ص 28.
(2) مجموع الفتاوي 13/ 397.
(3) فتح الباري 9/ 30.

الصفحة 542