كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 2)

لبعض لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ والْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «1».
وللّه در الأستاذ محمد دراز إذ يقول واصفا هذا الأمر [أما ما يبدو أنه فوق طاقة البشر حقا في الأسلوب القرآني، فهو أنه لا يخضع للقوانين النفسية التي بمقتضاها نرى العقل والعاطفة لا يعملان إلا بالتبادل وبنسب عكسية. بحيث يؤدي ظهور إحدى القوتين إلى اختفاء الأخرى ففي القرآن لا نرى إلا تعاونا دائما في جميع الموضوعات التي يتناولها بين هاتين النزعتين المتنافرتين.
وبالإضافة إلى الموسيقى الخالدة التي تعلو الأسلوب المتنوع نرى أن الكلمات ذاتها بمعناها المجازي سواء أ كانت وصفا أو استدلالا أو عن قاعدة في القانون أو في الأخلاق - تسعى بقوة وتجمع في نفس الوقت بين التعليم والإقناع والتأثير، وتمنح القلب والعقل نصيبه المنشود، وعلاوة على ذلك فإن هذا الكلام الرباني وهو يؤثر على هذا النحو، في قوانا المختلفة، يحتفظ دائما وفي أي موضع بهيبة مدهشة وبجلالة قوية لا تتأرجح ولا تضطرب ...
فالعربي الأصيل الذي تسري في دمه غريزة اللغة، ليس في حاجة إلى هذا التحليل لكي يقدر بنفسه طابع النص القرآني الفريد. وما يستفاد من هذه الدراسة البطيئة المنطقية، يدركه هو بفطنته وفطرته فهو يشعر بالقرآن وكأنه آت من السماء ينفذ إلى القلوب، ويبهر الأبصار. ولقد أدرك الكفار هذا التأثير في عهد الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - واختلفوا في التماس التفسير والتعليل له، إذ وجدوه ظاهرة غريبة إلى درجة أن أطلقوا عليه «سحرا» وحتى في عصرنا الحاضر ورغم بعد الزمن واختلاط الأجناس، وانحراف فطرة اللغة نجد العرب على اختلاف دياناتهم يعترفون بالسمو والجلال والهيبة التي ينفرد بها النص القرآني بالنسبة للأدب العربي بوجه عام، وبالنسبة لأحاديث الرسول - صلّى اللّه عليه وسلم - المعروفة ببلاغتها الرفيعة «2».
والقرآن المكي والمدني على حد سواء في متانة الأسلوب، وترابط المعاني
______________________________
(1) سورة فصلت آية: 26.
(2) مدخل إلى القرآن الكريم ص 117.

الصفحة 580