كتاب آراء المستشرقين حول القرآن الكريم وتفسيره (اسم الجزء: 2)

وأداء المعنى الكثير في اللفظ القليل دون تقليل يخل أو تطويل يمل.
والقرآن الكريم كما هو معجز في حقائقه العلمية والتاريخية هو معجز في أسلوبه وبيانه الذي يظهر في حسن ترتيب السورة وإحكام نسقها.
وهذا أمر فطن له علماء أفذاذ منذ القدم، لذلك كانت لهم عناية في كشف اللثام عن متانة الترابط، وإحكام الصلة بين أجزاء كل سورة من سور القرآن العظيم. من هؤلاء: العالم الجليل «البقاعي» في كتابه النفيس (نظم الدرر في تناسب الآي والسور) والأستاذ الدكتور محمد عبد اللّه دراز في كتابه (النبأ العظيم) الذي حلل فيه سورة البقرة مع طولها وأظهر الاتساق بين أجزائها، وما فيها من وحدة موضوعية.
وشيخي الدكتور فضل حسن عباس في كتابه (إعجاز القرآن) حيث درس فيه عدة سور من القرآن الكريم منها المدني ومنها المكي بنفس الطريقة «1» حيث أظهر ما يربط السور القرآنية من نظام بديع ومعان مترابطة وافية، ووحدة تامة بين أجزاء السورة الواحدة مع تعدد موضوعاتها كما أن كثيرا من كتب البلاغة والتفسير قد اهتمت بهذا الجانب.
أما المستشرقون فإن فاتهم هذا الإدراك، وهذا الحس فلبعدهم عن العربية، ولجهلهم بها وبأساليبها، وحكمهم عليها كان حكما فطيرا خاليا من التأمل والتروي وقد حاولوا تعليل هذه القضية بعلل غير مقبولة منها: أنه يعود لسذاجة الأسلوب وركاكته، أو لركاكة المعنى، أو لخطأ من الصحابة - رضوان اللّه عليهم - بأنهم لم يحسنوا ترتيب الموضوعات في السورة الواحدة بل جمعوها بطريقة عشوائية. كل هذه الأقوال تتبدد عند ما يعلم هؤلاء أن سورة كالبقرة نزلت نجوما في عشر سنين، ومع هذا فهي لوحة فنية تأخذ بالألباب بجمالها، وروعة أسلوبها، وترابط أفكارها، وتمام معانيها، ووحدة موضوعاتها مع تعدادها وكان الأولى أن يظهر الضعف والإطناب الممل ورداءة الذوق على حد تعبير «دوزي»
______________________________
(1) ذكر ذلك في كتاب قضايا قرآنية ص 80.

الصفحة 581