كتاب التحبير شرح التحرير (اسم الجزء: 6)

وَجه الْمَذْهَب الأول - وَهُوَ الصَّحِيح -: أَن الِاسْتِثْنَاء صرف اللَّفْظ بحرفه عَمَّا يَقْتَضِيهِ لولاه، أَو إِخْرَاج؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من الثني من قَوْلهم: ثنيت فلَانا عَن رَأْيه، وثنيت عنان دَابَّتي كَمَا تقدم.
وَلِأَن الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا يَصح؛ لتَعَلُّقه بِالْأولِ لعدم استقلاله، وَإِلَّا لصَحَّ كل شَيْء من كل شَيْء؛ لاشْتِرَاكهمَا فِي معنى عَام.
وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ: جَاءَ النَّاس إِلَّا الْكلاب، وَإِلَّا الْحمير عد قبيحا لُغَة وَعرفا.
ورد الأول بِأَنَّهُ مَحل النزاع، وَبِأَنَّهُ مُشْتَقّ من التَّثْنِيَة كَأَنَّهُ ثنى الْكَلَام بِهِ، وَلَا يلْزم من الِاشْتِقَاق لِمَعْنى [نفي] كَونه حَقِيقَة لِمَعْنى آخر. وَلَا الاطراد، وقبح مَا ذكر لَا يمْتَنع لُغَة كَقَوْل الدَّاعِي: يَا رب الْكلاب وَالْحمير.
ثمَّ إِن امْتنع من اللَّفْظ مُطَابقَة لَا يمْتَنع من لَازم لَهُ، وَلَا يلْزم اسْتثِْنَاء كل شَيْء من كل شَيْء لاعْتِبَار مُنَاسبَة بَينهمَا كَقَوْل الْقَائِل: لَيْسَ لي بنت إِلَّا ذكر، بِخِلَاف قَوْله: إِلَّا أَنِّي بِعْت دَاري.
وَاحْتج أَصْحَابنَا وَغَيرهم بِأَنَّهُ تَخْصِيص فَلَا يَصح فِي غير دَاخل.

الصفحة 2552