كتاب التحبير شرح التحرير (اسم الجزء: 6)

وَمَا لِلْعَامِلِ عَلَيْهِ تسلط فالحجازيون يوجبون نَصبه، وَتَمِيم ترجحه وتجيز الْبَدَل. انْتهى.
وَإِذا علم ذَلِك فَفِي (مَا) الثَّانِيَة قَولَانِ، أَحدهمَا: إِنَّهَا مَصْدَرِيَّة، قَالَه سِيبَوَيْهٍ، فَقَالَ: الأولى نَافِيَة، وَالثَّانيَِة مَصْدَرِيَّة، وفاعلهما مصدر، أَي: فلَان، ومفعولهما مَحْذُوف، أَي: إِلَّا نُقْصَانا، ومضرة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: إِنَّهَا مَوْصُولَة بِمَعْنى الَّذِي، وَالله أعلم.
فَائِدَة: قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: يَنْقَسِم الِاسْتِثْنَاء إِلَى مُنْقَطع ومتصل، وَفِي ضبط الْمُنْقَطع إِشْكَال، فكثير من الْعُقَلَاء يَعْتَقِدُونَ أَن الْمُنْقَطع الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس، وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن قَوْله تَعَالَى: {لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى} [الدُّخان: ٥٦] مُنْقَطع على الْأَصَح مَعَ أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بعد إِلَّا هُوَ نقيض الْمَحْكُوم عَلَيْهِ أَولا وَمن جنسه.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تكون تِجَارَة} [النِّسَاء: ٢٩] مُنْقَطع، مَعَ أَن الْمَحْكُوم عَلَيْهِ بعد إِلَّا هُوَ عين الْأَمْوَال الَّتِي حكم عَلَيْهَا قبل إِلَّا، بل الْمُحَقق أَن يعلم أَن الْمُتَّصِل عبارَة عَن أَن تحكم على جنس كَمَا حكمت عَلَيْهِ أَولا بنقيض مَا حكمت فِيهِ أَولا، فَمَتَى انخرم قيد من هذَيْن القيدين كَانَ مُنْقَطِعًا وَيكون الْمُنْقَطع بِحكم على جنس كَمَا حكمت عَلَيْهِ أَولا بِغَيْر مَا حكمت عَلَيْهِ أَولا، وعَلى هَذَا يكون الِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَتَيْنِ مُنْقَطِعًا، فَإِن نقيض {لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت}

الصفحة 2558