كتاب التحبير شرح التحرير (اسم الجزء: 6)

وَمن لطيف مَا يَحْكِي أَن الرشيد استدعى أَبَا يُوسُف القَاضِي وَقَالَ لَهُ: كَيفَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس فِي الِاسْتِثْنَاء؟ فَقَالَ: يلْحق عِنْده بِالْخِطَابِ، ويغير حكمه وَلَو بعد زمَان، فَقَالَ: عزمت عَلَيْك أَن تُفْتِي بِهِ وَلَا تخَالفه.
وَكَانَ أَبُو يُوسُف لطيفا فِيمَا يُورِدهُ متأنيا فِيمَا يَقُوله، فَقَالَ: رأى ابْن عَبَّاس يفْسد عَلَيْك بيعتك؛ لِأَن من حلف لَك وبايعك يرجع إِلَى منزله فَيَسْتَثْنِي، فانتبه الرشيد، وَقَالَ: إياك أَن تعرف النَّاس مذْهبه فِي ذَلِك، واكتمه.
وَوَقع قريب من ذَلِك لأبي حنيفَة مَعَ الْمَنْصُور، وَكَانَ قَالَ لَهُ رجل يبغض أَبَا حنيفَة: أَبُو حنيفَة يبغض جدك ابْن عَبَّاس وَيَقُول: إِن الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل لَا يَصح، فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا الرجل يُرِيد أَن يفْسد عَلَيْك دولتك، فَقَالَ: وَكَيف ذَلِك؟ قَالَ: لِأَن الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل لَو صَحَّ لجَاز لكل من بَايَعَك عَام أول أَن يَسْتَثْنِي الْآن، أَو بعده مُدَّة اسْتثِْنَاء تحل بِهِ الْبيعَة من عُنُقه، ثمَّ يخرج عَلَيْك! فَضَحِك الْمَنْصُور، وَقَالَ لَهُ: الزم مَقَالَتك. انْتهى.

الصفحة 2565