كتاب التحبير شرح التحرير (اسم الجزء: 7)

إِلَى الشغب، لَا سِيمَا إِذا ظهر مِنْهُ أَنه فعل ذَلِك حرصا على الْإِرْشَاد إِلَى الْحق، ومحبة للاستنقاذ من الْبَاطِل الَّذِي أثارته الشُّبْهَة من الضلال الْمُؤَدِّي بِصَاحِبِهِ إِلَى العطب والهلاك، فَلهُ بِهَذِهِ النِّيَّة الجميلة الثَّوَاب من ربه، والمدحة من كل منصف حَضَره أَو سمع بِهِ.
وَإِذا كَانَ الْمجْلس مجْلِس عصبية على أحد الْخَصْمَيْنِ بالتخليط عَلَيْهِ، وَقل فِيهِ التَّمْكِين من الْإِنْصَاف، فَيَنْبَغِي أَن يحذر من الْكَلَام فِيهِ، فَإِنَّمَا ذَلِك إثارة للطباع وجلب للأفحاش، ويفضي إِلَى انْقِطَاع الْقوي الْمنصف بِمَا يتداخله من الْغَضَب وَالْغَم الْمَانِع لَهُ من صِحَة النّظر، والصادين لَهُ عَن طَرِيق الْعلم، وكل صناعَة فَإِن الْعلم بهَا غير الجدل فِيهَا.
وَذَلِكَ أَن الْعلم بهَا هُوَ الْمعرفَة بِجَوَاب مسَائِل الْفتيا فِيهَا الَّتِي ترد إِلَى المصادرة لَهَا.
فَأَما الجدل فَإِنَّمَا هُوَ الْحجَّاج فِي مسَائِل الْخلاف مِنْهَا. /
فالعلم صناعَة، والجدل صناعَة، إِلَّا أَن الْعلم مَادَّة الجدل؛ لِأَن الجدل بِغَيْر علم بِالْحجَّةِ والشبهة فَإِنَّمَا هُوَ شغب، وَإِنَّمَا الِاعْتِمَاد فِي الجدل على إِقَامَة الْحجَّة، أَو حل الشُّبْهَة فِيمَا وَقعت فِيهِ مُخَالفَة.
وَإِذا كَانَ الجدل قد صد عَنهُ آفَة عرضت لبَعض من هُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يعْمل فِي إِزَالَة تِلْكَ الآفة ليرتفع الصَّاد عَنهُ، وَيظْهر للنَّفس الْحَاجة إِلَيْهِ وَمِقْدَار الْمَنْفَعَة بِهِ.
فَمن الْآفَات فِيهِ: الشُّبْهَة الدَّاخِلَة على النَّفس فِي تقبيحه، أَو أَنه [لَا] يُؤَدِّي إِلَى حق، وَلَا يحصل بِهِ نفع.

الصفحة 3729