كتاب التحبير شرح التحرير (اسم الجزء: 7)

الثَّانِي: جحد الضرورات، وَدفع المشاهدات، والمكابرة، والبهت.
وَالدَّلِيل على أَن هَذَا من الِانْقِطَاع أَن الْمُجيب إِنَّمَا يَبْنِي جَوَابه على تَصْحِيح الْمُشَاهدَة والاستشهاد [بالمعقول] ، وَهَذَا هُوَ الْمَفْهُوم عِنْد إجَابَته، فَإِذا لم يجد فِي الْعُقُول والضرورات شَيْئا يُحَقّق / بِهِ مذْهبه وَيتم بِهِ جَوَابه، فقد عجز عَمَّا ضمنه على نَفسه بِخُرُوجِهِ عَن الْمَعْقُول والضرورات إِلَى المكابرة والبهت، وَإِنَّمَا تَمام الشَّرْط أَن يكون مادته من هذَيْن الْمَوْضِعَيْنِ، أَعنِي: الْعقل والضرورة، دون مَا صَار إِلَيْهِ، وَهَذَا الضَّرْب شَرّ من الأول، أَعنِي: السُّكُوت؛ لِأَن أحسن الْأُمُور إِذا لم يجد حَقًا يتَكَلَّم بِهِ أَن يمسك عَن الْبَاطِل، وأقبح مَا ينْطق بِهِ من الْبَاطِل بهت الْعُقُول والطبائع والحواس ومكابرتها.
الضَّرْب الثَّالِث: المناقضة، وَهُوَ: أَن يَنْفِي بآخر كَلَامه مَا أثْبته بأوله، أَو يثبت بِآخِرهِ مَا نَفَاهُ فِي أَوله.
وَالدَّلِيل على أَن هَذَا الضَّرْب انْقِطَاع أَيْضا: أَن الْمُجيب لما ابْتَدَأَ بالإثبات كَانَ قد ضمن على نَفسه تَحْقِيقه وَالدّلَالَة على صِحَّته، وَبنى سَائِر الْجَواب عَلَيْهِ، و [ملاءمة] مَا يُورِدهُ بعده لَهُ، فَإِذا نَفَاهُ فقد عجز عَن تَصْحِيح مَا ضمنه من ذَلِك على نَفسه، وافتقر إِلَى نقضه عِنْد الْإِيَاس من صِحَّته.
وَصَاحب هَذَا الضَّرْب احسن حَالا من المباهت؛ لِأَن الرُّجُوع عَن الْبَاطِل عِنْد انكشافه أحسن من المكابرة، وَالرُّجُوع إِلَى الْحق حسن جميل، وَلَا عيب فِي الْعَجز عَن نصْرَة الْبَاطِل كَمَا لَا عيب فِي الرُّجُوع عَنهُ.
وَالضَّرْب الرَّابِع: الِانْتِقَال عَن الاعتلال بِشَيْء إِلَى الاعتلال بِغَيْرِهِ.

الصفحة 3731