كتاب آثار حجج التوحيد في مؤاخذة العبيد

واذكر يا محمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم فقررهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به" (¬1) أ. هـ.
وتحدث - رحمه الله - عن حد الميثاق وماهيته عند تأويل قوله تعالى (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ، وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (¬2)، قال: "حدثني المثنى قال: حدثنا علي بن الهيثم قال: أخبرنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب في قوله (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) قال: صاروا يوم القيامة فريقين، فقال لمن اسود وجهه، وعيّرهم: (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) قال: هو الإيمان الذي كان قبل الاختلاف في زمان آدم، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم، وأقروا كلهم بالعبودية، وفطرهم على الإسلام، فكانوا أمة واحدة مسلمين ...
وقال أبو جعفر: وأولى الأقوال (¬3) التي ذكرناها في ذلك بالصواب، القول الذي ذكرناه عن أبي ابن كعب أنه عني بذلك جميع الكفار، وأن الإيمان الذي يوبّخون على ارتدادهم عنه، هو الإيمان الذي أقروا به يوم قيل لهم: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا).
وذلك أن الله جل ثناؤه جعل جميع أهل الآخرة فريقين: أحدهما سوداء، وجوهه، والآخر بيضاء، وجوهه. فمعلوم - إذ لم يكن هنالك إلا هذان
¬_________
(¬1) جامع البيان (9/ 75).
(¬2) سورة آل عمران، الآيتان: 106 - 107.
(¬3) أي أقوال المفسرين في تأويل قوله تعالى (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) إذ منهم من حملها على المرتدين من أهل القبلة، ومنهم من حملها على أهل البدع، ومنهم من حملها على المنافقين، ومنهم من محملها على من نقض الميثاق. وهو الراجح عنده.

الصفحة 28