كتاب رسالة السجزي إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت
أيضاً لم يعرف ذلك، وإنما حمله على ما قال التحير1 مع قلة الحيا، ألا ترى أنه يقول: " القراءة مخلوقة والمقروء بها صفة الله عز وجل غير مخلوقة2، والخلق بالاتفاق لا يتوصلون إلى قراءة ما ليس بحرف ولا صوت، فليس يكون مقروء البتة، فإن جاز كونه مقروءاً فهو حروف، وأصوات لا محالة، وإن لم يجز أن يكون حروفاً فمحال أن يصير مقروءاً، وهذا ظاهر لمن هدي رشده ".
وأما رفع أحكام الشريعة، فلأنها إنما ثبتت بالقرآن فإذا كان الأشعري عنده القرآن غير هذا النظم العربي، وأهل الحل والعقد لا يعرفون ما يقوله ارتفعت أحكام الشريعة، ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد سورة من القرآن، أو آية منه، أو حرفاً متفقاً عليه فهو كافر3.
وفي هذا الإجماع تسويد وجه كلّ مخالف لنا وفيما ذكرت في هذا الفصل إشارات إذا تأملها ذو قريحة جرى في الميدان قوي الجنان. وبالله التوفيق.
__________
1 يقال: تحير واستحار وحار؛ أي: لم يهتد لسبيله. وحار يحار حيرة وحيراً أي: تحير في أمره. انظر: لسان العرب 4/222 مادة: حير.
2 لم أجد هذا القول في شيء من كتبه التي اطلعت عليها، غير أن الشهرستاني حكى عنه أنه يقول: " والفرق بين القراءة والمقروء، والتلاوة والمتلو، كالفرق بين الذكر والمذكور، فالذكر محدث، والمذكور قديم ". الملل 1/96. وهذا مذهب ابن كلاب. انظر: المقالات 2/720، والباقلاني وغيره من أئمة الأشاعرة كإمام الحرمين والغزالي.
انظر: الإنصاف ص: 103، والإرشاد ص: 130، والاقتصاد ص: 63-64.
3 انظر: مراتب الإجماع لابن حزم ص: 174، وتقدم كلام خلف المعلم وقول ابن مسعود في ذلك.