كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

قلت تَأمل وأمعن النّظر فِي هَذِه الْقَضِيَّة وادر انه إِن كَانَ مَا فعله تيمور لأمر سياسي فقد نَشأ عَن فكر عَال ومرتبة فِي السياسة سامية وان كَانَ عَن حب للسّنة فَللَّه در رجال تعرف مَرَاتِب أَصْحَاب الْكَمَال وَلَا تنقص الرِّجَال شَيْئا من حَقّهَا
وَالَّذِي يظْهر انه قصد الْأَمر الثَّانِي لَان تيمور مَعَ عتوه وظلمه وبغيه كَانَ مغرما بحب الْعلمَاء وَلَا سِيمَا الكاملون مِنْهُم
قَالَ فِي الشقائق ثمَّ لما مَاتَ تيمور سنة سبع وَثَمَانمِائَة فَارق المترجم بِلَاد مَا وَرَاء النَّهر فَدخل خُرَاسَان وهراة وشيراز ويزد ونواحيها وَنشر فِي تِلْكَ الْأَمَاكِن فن الْقرَاءَات والزمه صَاحب شيراز الْقَضَاء بهَا فَأَقَامَ مكْرها وَلما قضى الرَّحْمَن لَهُ بالخلاص سَافر إِلَى الْبَصْرَة ثمَّ إِلَى مَدِينَة الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اهـ
وترجمه السخاوي فِي الضَّوْء اللامع تَرْجَمَة مُطَوَّلَة وَطعن فِيهِ وَفِي رِوَايَته كَمَا هُوَ دأبه فِي عُلَمَاء الحَدِيث الَّذين لم يعظموه وخلاصة مَا قَالَه
انه جعل نَفسه عمريا وَقَالَ كَانَ أَبوهُ تَاجِرًا وَحفظ الْقُرْآن وَهُوَ ابْن تسع سِنِين وَصلى بِهِ فِي السّنة الْعَاشِرَة ثمَّ ولي الْقَضَاء بِدِمَشْق على مَال يَدْفَعهُ فَلَمَّا تولاه لم يَفِ بِهِ فامتحن لذَلِك وفر إِلَى مصر سنة ثَمَان وَتِسْعين ثمَّ لحق بِبِلَاد الرّوم واتصل بالسلطان بايزيد فَأكْرمه وعظمه وأنزله عِنْده بضع سِنِين فنشر علم الْقرَاءَات والْحَدِيث وانتفعوا بِهِ فَلَمَّا دخل تيمورلنك الرّوم أَخذه مَعَه إِلَى سَمَرْقَنْد فَأَقَامَ بهَا إِلَى أَن مَاتَ تيمور فتحول حِينَئِذٍ إِلَى شيراز فنشر بهَا الْقرَاءَات والْحَدِيث وانتفع بِهِ أَهلهَا وَولي قضاءها وَقَضَاء غَيرهَا من الْبلدَانِ من جِهَة أَوْلَاد تيمورلنك ثمَّ قصد الْحَج سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين فنهب فِي الطَّرِيق وتعوق عَن إِدْرَاك الْحَج فَأَقَامَ يَبِيع وَيَشْتَرِي ثمَّ تيَسّر لَهُ فَأَقَامَ بِمَكَّة مجاورا وَحدث بهَا ثمَّ سَافر إِلَى بِلَاد الْعَجم ثمَّ قدم الْقَاهِرَة واتصل بالسلطان الاشرف فَعَظمهُ وأكرمه وتصدى للإقراء والتحديث ثمَّ سَافر إِلَى مَكَّة ثمَّ إِلَى الْيمن تَاجِرًا فَأَسْمع بهَا الحَدِيث وأكرمه صَاحبهَا وَوَصله بِحَيْثُ رَجَعَ بِبَضَائِع كَثِيرَة وَعَاد إِلَى مَكَّة ثمَّ إِلَى الْقَاهِرَة ثمَّ إِلَى الْبَصْرَة والى شيراز فَمَاتَ بهَا وَدفن بمدرسته الَّتِي أَنْشَأَهَا هُنَاكَ

الصفحة 12