كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

أَقُول صنعا كَانَت قَرْيَة بالشرف القبلي فاختفى الْيَوْم أَثَرهَا وَلَقَد اخبرني بَعضهم أَن بعض الْأَغْنِيَاء فِي زمننا لما بنى أبنيته الَّتِي على طَرِيق المزة ظفر بحمام تِلْكَ الْقرْيَة تَحت الرَّدْم وظفر بآثار أبنيتها وحجارتها والأبينة ظلّ زائل وَأما الشقراء فَهِيَ من متنزهات دمشق البديعة وَسَيَأْتِي الْكَلَام عَلَيْهَا فِي محلهَا
ونقول الْآن إِن جَوَانِب المرجة الفيحاء تسمى بالشرفين وَقد قَالَ فِي نزهة الْأَنَام وكل شرف للبلد فِيهِ عدَّة من الْمدَارِس والمساجد وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا من الْأَوْقَاف مَا يَكْفِيهِ وَقد استولت عَلَيْهَا أَيدي المتشبهين بالفقهاء فأظهروا فِيهَا أَنْوَاع الْمَفَاسِد وكلا الشرفين يطلّ على الشقراء والميدان وَالْقصر الأبلق والمرجة ذَات الْعُيُون والغدران وَمَا ألطف مَا قَالَه ابْن الشَّهِيد
(لم يحك جلق فِي المحاسن بَلْدَة ... قَول صَحِيح مَا بِهِ بهتان)
(وَلَئِن غَدَوْت مسابقا فِي غَيرهَا ... هَا بَيْننَا الشقراء والميدان)
وَمن تَحْرِير القيراطي
(سر بِي إِلَى الشقراء من جلق ... واثن إِلَى الخضراء مِنْك الْعَنَان)
(فِيهَا جنان لَو رأى حسنها ... أَبُو نواس للهى عَن جنان)
(وَانْزِلْ بواديها الَّذِي نشره ... مسك وحصبا النَّهر مِنْهُ جمان)
قَالَ العلموي قلت هَذِه الخاتونية هِيَ شمَالي نهر بانياس مطلة على الميدان الْأَخْضَر وَكَانَت قبلا بمئذنة وبئر وَرَأَيْت ذَلِك إِلَى آخر وَقت الجراكسة وأوائل الدولة العثمانية وَأول من خربها وَأخذ رخامها وَمن جملَته رُخَام المحاريب سيباي وَوضع ذَلِك بمدرسته الكائنة بِبَاب الْجَابِيَة الملقبة بِجمع الْجَوَامِع ودرس بهَا أَبُو الْحسن الْبَلْخِي ثمَّ سبع مدرسين مِنْهُم الْجلَال عمر الخجندي كَانَ فَقِيها زاهدا بارعا عَاقِلا عَارِفًا بِالْمذهبِ صنف فِي الْفِقْه والأصلين ودرس بالعزية بالشرف الشمالي ثمَّ جاور بِمَكَّة سنة ثمَّ رَجَعَ إِلَى دمشق فدرس بِهَذِهِ الخاتونية إِلَى أَن توفّي فِي آخر ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة عَن اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سنة وَدفن بالصوفية ثمَّ درس بهَا الشَّمْس الحريري ثمَّ البصروي ثمَّ ابْن قَاضِي ملطية ثمَّ ابْن فويرة ثمَّ الْآدَمِيّ انْتهى كَلَامه

الصفحة 168