كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

وَحصل الْكثير من كتب الْعُلُوم ووقفها على طلابها وَأقَام عَلَيْهَا الْحفظَة من أَهلهَا وأربابها وجدد كثيرا من قني السَّبِيل وَهدى بِجهْدِهِ إِلَى سَوَاء السَّبِيل
وأجهد نَفسه فِي جِهَاد أَعدَاء الله وَبَالغ فِي حربهم وَتحصل فِي أسره جمَاعَة من أُمَرَاء الإفرنج كجوسلين وَابْنه وَابْن القنس وقومس اطرابلس وَجَمَاعَة من حزبهم وَكَانَ متملك الرّوم قد خرج من قسطنطينية وَتوجه إِلَى الشَّام طامعا فِي تسلم إنطاكية فَشَغلهُ عَن مرامه الَّذِي رامه بالمراسلة إِلَى أَن وصل أَخُوهُ قطب الدّين فِي جنده من المواصلة وَجمع لَهُ الجيوش والعساكر وَأنْفق فيهم الْأَمْوَال والذخائر فأيس الرُّومِي من بُلُوغ مَا كَانَ يَرْجُو وَتمنى مِنْهُ الْمُصَالحَة عساه ينجو فاستقر رُجُوعه إِلَى بِلَاده ذَاهِبًا فَرجع من حَيْثُ جَاءَ خائبا وَلم يقتل بِالشَّام مَعَ كَثْرَة عسكره مَقْتَله وَلم يرع فِيهَا من زرع خَادِم أَو أَمِير سنبله وَحمل إِلَى بَيت مَال الْمُسلمين من التحف مَا حمل وَلم يبلغ وضل مَا عمل وغزا مَعَه أَخُوهُ قطب الدّين فِي عَسْكَر الْموصل وَغَيرهم من الْمُجَاهدين فَكسر الإفرنج وَالروم والأرمن على حارم وأذاقهم كؤوس الْمنية بالأسنة والصوارم فأبادهم حَتَّى لم يفلت مِنْهُم غير الشَّديد الذاهل وَكَانَت عدتهمْ ثَلَاثِينَ ألفا بَين فَارس وراجل ثمَّ نزل على قلعة حارم فافتتحها ثَانِيَة وحواها وَأخذ أَكثر قرى إنطاكية وسبى أَهلهَا وَكَانَ قبل ذَلِك قد كسرهم بِقرب بانياس وَقتل جمَاعَة من أبطالهم وَأسر كثيرا من فرسانهم
وَقد كَانَ شاور السَّعْدِيّ أَمِير جيوش مصر فوصل إِلَى جَانِبه مستجيرا لما عاين الذعر فَأحْسن جواره واكرمه وَأظْهر بره واحترمه وَبعث مَعَه جَيْشًا كثيفا ليَرُدهُ إِلَى دَرَجَته فَقتلُوا خَصمه وَلم يَقع مِنْهُ الْوَفَاء بِمَا قرر من جِهَته فاستجاش جَيش الْعَدو طلبا للبقاء فِي السمو ثمَّ وَجه إِلَيْهِ بعد ذَلِك جَيْشًا آخر فأصر على الْمُسَابقَة لَهُ واستنجد بالعدو فانجدوه وَضمن لَهُم الْأَمْوَال الخطيرة حَتَّى عاضدوه وانكفا جَيش الْمُسلمين إِلَى الشَّام رَاجعا وَحدث متملك الإفرنج نَفسه بِملك مصر طامعا فَتوجه إِلَيْهَا بعد عَاميْنِ رَاغِبًا فِي انتهاز الفرصة فاخذ بلبيس وخيم من مصر بالعرصة فَلَمَّا بلغه ذَلِك تدخل جهده فِي تَوْجِيه الْجَيْش إِلَيْهَا وَخَافَ من تسلط عَدو الدّين عَلَيْهَا فَلَمَّا سمع الْعَدو بتوجه جَيْشه رجعُوا خائبين واصبح أَصْحَابه بِمصْر لمن عاندهم غَالِبين وأمل أهل أَعمالهَا بِحُصُول جَيْشه عِنْدهم وَزَالَ عَنْهُم مَا كَانُوا قد خَشوا واطلع من شاور على المخامرة وَأَنه قد راسل الْعَدو طَمَعا مِنْهُ فِي المظافرة وَأرْسل

الصفحة 217