كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

إِلَيْهِم ليردهم ليدفع جَيش الْمُسلمين بجيشهم فَلَمَّا خيف من شَره ومكره لما عرف من غدره وختره واتضح الْأَمر فِي ذَلِك واستبان تمارض الْأسد ليقتنص الثعلبان فَجْأَة قَاصِدا لعيادته جَارِيا فِي خدمته على عَادَته فَوَثَبَ جرديك وبرحش موليا نور الدّين فقتلا شاورا وأراحا الْبِلَاد والعباد من شَره وَأما شاور فانه أول من تولى الْقَبْض عَلَيْهِ وَمد يَده الْكَرِيمَة إِلَيْهِ بالمكروه وصفي الْأَمر لأسد الدّين وَملك وخلعت عَلَيْهِ الْخلْع وَحل وَاسْتولى أَصْحَابه على الْبِلَاد وَجَرت أُمُوره على السداد وَظَهَرت مِنْهُ حميد السِّيرَة وَحسن الْآثَار وَسَيعْلَمُ الْكَافِر لمن عُقبى الدَّار
وَظَهَرت كلمة أهل السّنة بالديار المصرية وخطب فِيهَا للدولة العباسية بعد الْيَأْس وأراح الله من بهَا من الْفِتْنَة وَرفع عَنْهُم المحنة وَمَعَ مَا ذكرت من هَذِه المناقب كلهَا وشرحت من دقها وجلها فانه كَانَ رَحمَه الله حسن الْخط والبنان متأتيا لمعْرِفَة الْعُلُوم بالفهم وَالْبَيَان كثير المطالعة مائلا إِلَى نقل الْكتب مواظبا وحريصا على تَحْصِيل كتب الصِّحَاح وَالسّنَن مُشْتَريا لَهَا بأوفر الاعواض وَالثمن كثير المطالعة للعلوم الدِّينِيَّة مُتبعا للآثار النَّبَوِيَّة مواظبا على الصَّلَوَات فِي الْجَمَاعَات مراعيا لأدائها فِي الْأَوْقَات مُؤديا لفروضها ومسنوناتها مُعظما لَهَا فِي جَمِيع حالاتها عاكفا على تِلَاوَة الْقُرْآن على الْأَيَّام حَرِيصًا على فعل الْخَيْر من الصَّدَقَة وَالصِّيَام كثير الدُّعَاء وَالتَّسْبِيح رَاغِبًا فِي صَلَاة التَّرَاوِيح عفيف الْبَطن والفرج مقتصدا فِي الْإِنْفَاق والخرج متحريا فِي المطاعم والمشارب والملابس متبرئا من التباهي والتمادي والتنافس عريا عَن التكبر والتجبر بَرِيئًا من التطير مَعَ مَا جمع الله لَهُ من الْعقل المتين والرأي الصَّوَاب الرصين والإقتداء بسيرة السّلف الماضين والتشبه بالعلماء وَالصَّالِحِينَ والاقتفاء لسيرة من سلف مِنْهُم فِي خير سمتهم والأتباع لَهُم فِي حفظ حَالهم ووقتهم حَتَّى روى حَدِيث الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واسمعه وَكَانَ قد استجيز لَهُ مِمَّن سَمعه وَجمعه حرصا مِنْهُ على الْخَيْر فِي نشر السّنة والتحديث ورجاء أَن يكون مِمَّن حفظ على الْأمة أَرْبَعِينَ حَدِيثا لما جَاءَ فِي الحَدِيث
فَمن رَآهُ شَاهد من جلال السلطنة وهيبة الْملك مَا يبهره فَإِذا فاوضه رأى من لطافته وتواضعه مَا يحيره وَقد حكى عَنهُ من صَحبه فِي سَفَره وحضره أَنه لم يسمع مِنْهُ كلمة فحش فِي رِضَاهُ وَلَا فِي ضجره وَأَن أشهى مَا يكون إِلَيْهِ كلمة حق يسْمعهَا أَو إرشاد إِلَى سنة يتبعهَا يحب الصَّالِحين ويؤاخيهم ويزور مساكنهم لحسن ظَنّه

الصفحة 218