كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

فيهم فَإِذا احْتَلَمَ مماليكه أعتقهم وَزوج ذكرانهم بإناثهم ورزقهم وَمَتى تَكَرَّرت الشكاية إِلَيْهِ من أحد ولاته أَمر بالكف من أَذَى من تكلم بشكاية فَمن لم يرجع مِنْهُم إِلَى الْعدْل قابله بِإِسْقَاط الْمرتبَة والعزل وَقد جمع الله لَهُ من شرِيف الْخِصَال مَا ييسر لَهُ جَمِيع مَا يَقْصِدهُ من الْأَعْمَال وَسَهل على يَدَيْهِ فتح الْحُصُون والقلاع وَمكن لَهُ فِي الْبلدَانِ وَالْبِقَاع حَتَّى ملك حصن شيزر وقلعة دوسر وهما من أحصن المعاقل والحصون واحتوى على مَا فيهمَا من الذخر المصون من غير سفك محجمة من دم عَلَيْهِمَا وَلَا قتل أحد من الْمُسلمين بسببهما وَأكْثر مَا أَخذه من الْبلدَانِ تسلمه من أَهله بالأمان ووفى لَهُم بالعهود والأيمان فأوصلهم إِلَى مأمنهم من الْمَكَان وَإِذا اسْتشْهد أحد من أجناده حفظه فِي أَهله وَأَوْلَاده وأجرى عَلَيْهِم الجرايات وَولى من كَانَ أَهلا مِنْهُم للولايات وَكلما فتح الله عَلَيْهِ فتحا وزاده ولَايَة أسقط عَن رَعيته قسطا وَزَادَهُمْ رِعَايَة حَتَّى ارْتَفَعت عَنْهُم الظلامات والمكوس واتضعت فِي جَمِيع ممالكه الغرامات والنحوس وَدرت على رعاياه الأرزاق ونفقت عِنْدهم الْأَسْوَاق وَحصل بَينهم بِيَمِينِهِ الِاتِّفَاق وَزَالَ ببركته العناء والشقاق فان فتكت شرذمة من الملاعين فَأَنَّهَا لما علمت مِنْهُ من الرأفة واللين وَلَو خلط لَهُم شدته بلينه لخاف سطوته الْأسد فِي عرينه فَالله يحقن بِهِ الدِّمَاء ويسكن بِهِ الدهماء
ثمَّ قَالَ ابْن عَسَاكِر بعد أَن دَعَا الله لَهُ ومناقبه خطيرة وممادحه كَثِيرَة ذكرت مِنْهَا غيضا من فيض وقليلا من كثير وَقد مدحه جمَاعَة من الشُّعَرَاء فاكثروا وان لم يبلغُوا وصف آلائه بل قصروا وَهُوَ قَلِيل الابتهاج بالشعر زِيَادَة فِي تواضعه لعلو الْقدر
انْتهى مَا قَالَه الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر بِحَذْف بعض جمل يسيرَة وَقد حكى فِي خطْبَة تَارِيخه انه جمع مِنْهُ أَولا شَيْئا كثيرا ثمَّ تَركه فَأقبل النَّاس يشوقونه على الْإِتْمَام إِلَى أَن وصل خَبره إِلَى نور الدّين فيحنئذ اهتم بإكماله
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي تَارِيخه ولي الشَّام سِنِين وجاهد الثغور وانتزع من الصليبيين نيفا وَخمسين مَدِينَة وحصنا وَبنى بيمارستانا بِالشَّام وَعَاهد صَاحب طرابلس بعد أَن قبض عَلَيْهِ على أَن يُطلقهُ بِشَرْط أَن يدْفع ثَلَاثمِائَة ألف دِينَار وَخَمْسمِائة حصان وَخَمْسمِائة زردية وَمثلهَا أتراس وَمثلهَا قنطاريات وَخَمْسمِائة أَسِير مُسلم

الصفحة 219