كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

وَبِأَن لَا يُغير على بِلَاد الْمُسلمين سبع سِنِين وَسَبْعَة اشهر وَأخذ بَنَاته رهنا على الْوَفَاء مَعَ بعض أَوْلَاد الإفرنج وبطارقتهم وان نكث أراق دِمَاءَهُمْ وعزم على فتح بَيت الْمُقَدّس فَتوفي
وَقَالَ الفيلسوف عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ كَانَ نور الدّين يَأْكُل من عمل يَده ينسج تَارَة وَيعْمل عُلَبًا تَارَة ثَانِيَة ويلبس الصُّوف ويلازم السجادة والمصحف وَكَانَ حنفيا ويراعي مذهبي الشَّافِعِي وَمَالك
وَقَالَ ابْن الْأَثِير كَانَ نور الدّين كثير اللّعب بالكرة فَكتب إِلَيْهِ رجل يَدعِي الصّلاح يُنكر عَلَيْهِ وَيَقُول تتعب الْخَيل فِي غير فَائِدَة فَكتب إِلَيْهِ بِخَطِّهِ وَالله مَا أقصد اللّعب وَإِنَّمَا نَحن فِي تَعب فَرُبمَا وَقع الصَّوْت فَتكون الْخَيل قد أمنت اهـ
قلت وَلم يخل وَقت من اعْتِرَاض بعض من يَدعِي الصّلاح على مَا لَا يعرفونه وَلَا يعنيهم بل يعترضون على الذّرة ويبتلعون الْجَبَل وَمِمَّا يسطر فِي تَارِيخ نور الدّين مَعَ الْفَخر مَا ذكره ابْن الْأَثِير انه كَانَ يَوْمًا يلْعَب فِي ميدان دمشق فَجَاءَهُ رجل وَطَلَبه إِلَى الشَّرْع فجَاء مَعَه إِلَى مجْلِس الشَّرِيعَة وَكَانَ بِهِ القَاضِي مجد الدّين الشهرزوري فَأرْسل إِلَيْهِ السُّلْطَان حَاجِبه يَقُول للْقَاضِي لَا تنزعج واسلك مَعَه مَا تسلكه مَعَ آحَاد النَّاس فَلَمَّا حضر سوى بَينه وَبَين خَصمه فتحاكما فَلم يثبت للرجل عَلَيْهِ حق وَكَانَ يَدعِي ملكا فِي يَد نور الدّين فَلَمَّا فرغت المحاكمة قَالَ هَل ثَبت لَهُ حق قَالُوا لَا قَالَ فَاشْهَدُوا عَليّ أَنِّي قد وهبت لَهُ مَا ادّعى بِهِ وَإِنَّمَا حضرت مَعَه لِئَلَّا يُقَال عني أَنِّي دعيت إِلَى الشَّرْع فأبيت وَدخل بَيته يَوْمًا فَرَأى مَالا كثيرا فَسَأَلَ عَنهُ فَقَالُوا لَهُ بعث بِهِ القَاضِي كَمَال الدّين من فائض الْأَوْقَاف فَقَالَ ردُّوهُ وَقُولُوا لَهُ أَن رقبتي رقيقَة لَا أقدر على حمله غَدا وَأَنت رقبتك غَلِيظَة تقدر على حمله وَلما قدم أمراؤه دمشق اقتنوا الْأَمْوَال واستطالوا على النَّاس وَكَانَ أعظمهم استطالة شيركوه فَبنى السُّلْطَان دَار الْعدْل وَكَانَ يحضرها فِي الْأُسْبُوع أَربع مَرَّات ويحضر مَعَه الْعلمَاء وَالْفُقَهَاء وَيَأْمُر بِإِزَالَة الْحجاب والبوابين فانتصف أمراؤه من أنفسهم خوفًا من دَار الْعدْل وَالسُّلْطَان وَلما وَقع ملك الإفرنج فِي أسره أطلقهُ على ثَلَاثمِائَة ألف وَبنى بهَا البيمارستان الْمَشْهُور فِي دمشق وَجعله على كَافَّة النَّاس من غَنِي وفقير وَبنى بهَا أَيْضا الْمدرسَة النورية وَدَار الحَدِيث الْمَار ذكرهَا

الصفحة 220