كتاب منادمة الأطلال ومسامرة الخيال

قَالَ ابْن وَاصل كَانَ السُّلْطَان من أقوى النَّاس بدنا وَقَلْبًا وانه لم ير على ظهر فرس أَشد مِنْهُ كَأَنَّمَا خلق عَلَيْهِ فَلَا يَتَحَرَّك وَكَانَ إِذا حضر الْقِتَال أَخذ قوسين وتركاشين وباشر الْقِتَال بِنَفسِهِ وَكَانَ يَقُول طالما تعرضت للشَّهَادَة فَلم أدْركهَا قَالَ الذَّهَبِيّ قلت وَقد أدْركهَا على فرَاشه وَبَقِي ذَلِك فِي أَفْوَاه النَّاس تراهم يَقُولُونَ نور الدّين الشَّهِيد وَمَا شَهَادَته إِلَّا بالخوانيق
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ كَانَ السُّلْطَان يخيط الكوافي وَيعْمل السكاكر ويعطيها للعجائز فتبيعها لَهُ سرا وَكَانَ يَوْم يَصُوم يفْطر على أثمانها
قَالَ ابْن كثير وَكَانَ يجلس يَوْم الثُّلَاثَاء بِالْمَسْجِدِ الْمُعَلق الَّذِي بالكشك ليصل إِلَيْهِ كل أحد من الْمُسلمين وَأهل الذِّمَّة وَقد عمد إِلَى الْأَوْقَاف الَّتِي لَا يعرف واقفها وَلَا تعرف شروطهم فِيهَا فأضافها إِلَى أوقاف الْجَامِع وَجعلهَا قَلما وَاحِدًا سَمَّاهُ قلم الْمصَالح ورتب مِنْهُ مُرَتبا لِذَوي الْحَاجَات من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين والأرامل والأيتام وَمَا أشبه ذَلِك
قَالَ الصّلاح الكتبي فِي تَارِيخه كَانَ نور الدّين يحلف بِاللَّه أَن جَمِيع مَا بناه من الْمدَارِس والأوقاف والربط وَغَيره إِنَّمَا هُوَ من مَال المفاداة يَوْم قارم وَلَيْسَ فِيهَا من بَيت المَال الدِّرْهَم الْفَرد
هَذَا مَا قصدناه من تَرْجَمَة نور الدّين وَمن أَرَادَ الزِّيَادَة فَعَلَيهِ بالبرق الشَّامي وَغَيره من مؤلفات الْعِمَاد الْكَاتِب وبالروضتين لأبي شامة والدر الثمين وَالْكَوَاكِب الدرية للأسدي ويجدر بِي الْآن أَن أذكر حِكَايَة قد تداولتها السن النَّاس فزادوا بهَا وَأَكْثرُوا وغيروا وبدلوا وَكَثِيرًا مَا كنت أسمعها من وَالِدي مُغيرَة مبدلة وأدأب فِي التنقيب عَنْهَا حَتَّى ظَفرت بهَا فِي كتاب تحفة الْأَنَام للبصروي فنقلتها كَمَا رَأَيْتهَا والعهدة على الرَّاوِي
قَالَ أَن السُّلْطَان نور الدّين رأى لَيْلَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَنَامه يَقُول لَهُ يَا مَحْمُود أَلِي من هذَيْن وَأَشَارَ إِلَى اثْنَيْنِ فِي زِيّ الْعَجم فَاسْتَيْقَظَ من مَنَامه فَزعًا مَرْعُوبًا ثمَّ تَكَرَّرت الرُّؤْيَا ثَلَاثًا فتحركت همته للسَّفر فأحضر الهجن وركبها مَعَ فرقة قَليلَة من الْعَسْكَر وَسَار مسرعا حَتَّى وافى الْمَدِينَة واظهر أَنه يُرِيد الزِّيَارَة فزار الْمَسْجِد وَجلسَ لَا يدْرِي مَاذَا يصنع فَقَالَ لَهُ وزيره أتعرف الشخصين إِذا

الصفحة 221